للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باطلا. فإن قالوا: نحن لا نقول إن جبريل جسم ينفصل من مكان إلى مكان، وإنما نقول: المراد من نزوله هو زوال الحجب الجسمانية عن روحه صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظهر في روحه من المكاشفات والمشاهدات بعض ما كان حاضرا متجليا في ذات جبريل، قلنا: تفسير الوحى بهذا الوجه هو قول الحكماء «١» .

وأما جمهور المفسرين فيقرون بأن جبريل جسم، وأن نزوله عبارة عن انتقاله من عالم الأملاك إلى مكة، وإذا كان كذلك كان الإلزام المذكور قويا، وهذا تقرير ما ذهب إليه الأكثرون من المسلمين، وإن ذهب الأقلّون إلى أنه عليه الصلاة والسلام ما أسرى إلا بروحه. انتهي.

فقد ذهب أهل التحقيق أنه تعالى أسرى بروح محمد صلّى الله عليه وسلّم وجسده من مكة إلى المسجد الأقصي. انتهي.

قال بعضهم في هذا المعنى مخاطبا له صلّى الله عليه وسلّم:

أسرى إلى الأقصى بجسمك يقظة ... لا في المنام فيقبل التأويلا

إذ أنكرته قريش قبل ولم تكن ... لترى المهول من المنام مهولا

وقال اخر:

ألم تر أنّ الله أسرى بعبده ... إلى المسجد الأقصى من البيت ذى الحجر

وطاف به الكونين في ليلة السري ... وعلّمه ذو مرّة كلّ ما يجرى

دنا فتدلّى قاب قوسين فاتلها ... وعلّمه ما لم يكن قبله يدرى

خليل، ولم يعلم كليم، ولم ينل ... مسيح، ولا خلق إلى منتهى الحشر

وقوله: «وعلّمه ما لم يكن قبله يدرى خليل» إلى اخره إشارة إلى أنّ معراجهم لم يكن كمعراجه مشتملا على تعليم كتعليمه؛ وذلك لأن المعراج كان لستة من الأنبياء: خليفة الله تعالى ادم أبو البشر، وإدريس، وإبراهيم، وموسي، وعيسي،


(١) الحكماء هنا هم: الفلاسفة، والفلاسفة لا دين لهم.