فصلى بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحرّض على القتال في خطبة خطبها، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:«أما بعد: فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه ... » إلى أن قال « ... وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرّج الله به الهمّ وينجى به من الغم» .
ولما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا وقد أقبلت بالدروع الساترة، والجموع الوافرة، والأسلحة البارقة، قال: «اللهم إن هذه قريش قد أقبلت بخيلائها (أى بكبرها وعجبها وفخرها) تجادلك، وتخالف أمرك، وتكذّب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتنى به، أنجزه اللهم، أمرتنى بالثبات ووعدتنى إحدى الطائفتين، وإنك لا تخلف الميعاد» .
وكان من حكمة الله تعالى أن جعل المسلمين قبل أن يلتحم القتال في أعين المشركين قليلا استدراجا لهم ليقدموا، ولما التحم القتال جعلهم في أعين المشركين كثيرا ليحصل لهم الرعب، وجعل الله المشركين عند التحام القتال في أعين المسلمين قليلا، ليقوي جانبهم على مقاتلتهم، وأنزل الله تعالى وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الأنفال: ٤٤] ومن ثمّ قال الله تعالى:
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [ال عمران: ١٣] وحين رأى المسلمون نار القتال قد شّبت عجّوا «١» بالدعاء إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى عند ذلك: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: ٩](أى متتابعين) ، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة ملك على الميمنة، وفيها أبو بكر رضى الله عنه، وميكائيل عليه السلام في خمسمائة على الميسرة، وفيها عليّ رضى الله عنه، فى صور الرجال، عليهم عمائم بيض وثياب بيض، قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم، وعلى جبريل عليه السلام عمامة صفراء أرسلها من خلفه.
وعن عروة بن الزبير: كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء، فأمدّه الله تعالى بالملائكة؛ ألف مع جبريل وألف مع ميكائيل، وقيل أيضا: أمدّه بألف مع إسرافيل فزيد في الوعد بثلاثة الاف لقوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [ال عمران: ١٢٥] فوقع الوعد