للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإكمالهم خمسة الاف، وكان ذلك معلّقا على شرط، وهو الصبر والتقوى عن حوز الغنائم، فلم يصبروا، ففات الإمداد مما زاد على الثلاثة الاف، وقيل: كان الإمداد يوم بدر بالخمسة الاف، وإنما كان الملائكة شركاء لهم في بعض الفعل، ليكون الفعل منسوبا للنبى صلّى الله عليه وسلّم ولأصحابه، وأن الملائكة مدد على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب التى أجراها الله تعالى في عباده، وإلا فجبريل واحده قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، وليهابهم العدوّ بعد ذلك، فاتضح أن الملائكة قاتلت يوم بدر، ولم تكن لتكثير السواد فقط «١» .

وعند ابتداء الحرب نادى منادى قريش: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قومنا، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي» ، أو قال: «قوموا يا بنى هاشم، فقاتلوا» ، فلما قدم عبيدة ابن الحارث وحمزة وعلى دنوا منهم، وقالوا: من أنتم؟ لأن هؤلاء الثلاثة كانوا ملتبسين لا يعرفون من السلاح، قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال عليّ: عليّ، قالوا: نعم أكفاء كرام، فبارز عبيدة ابن الحارث: عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة: شيبة، وبارز عليّ الوليد، فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة، وأما على فلم يمهل أن قتل الوليد، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما طعن صاحبه، وكرّ حمزة وعليّ بسيفيهما على عتبة فذفّفا «٢» عليه، واحتملا صاحبهما فجرّاه إلى أصحابه، وأضجعوه إلى جنب موقعه صلّى الله عليه وسلّم، فأفرشه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدمه الشريف، فوضع خدّه عليها، فقال له عبيدة: ألست شهيدا يا رسول الله؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أشهد أنك شهيد.

قيل: هذه أوّل مبارزة وقعت في الإسلام. وفي الصحيحين عن أبى ذرّ أنه كان يقسم قسما أن اية هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج: ١٩] نزلت في حمزة وصاحبيه يوم بدر.


(١) قال الربيع بن أنس: «كان الناس يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به. وعن ابن عباس: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وكذلك روى ابن إسحاق: لم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر. وإنما كان نزولهم في غير بدر لتثبيت المؤمنين، لا للقتال.
(٢) قوله «فذففا عليه» : أي أسرعا قتله وتمما عليه أ. هـ (من هامش الأصل) .