للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تزاحم الناس ودنا بعضهم من بعض، وقد كان عدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صفوف أصحابه بقدح في يده (أى سهم) ، فمرّ بسواد بن غزية (حليف بنى النجار) وهو خارج من الصف فطعنه «١» صلّى الله عليه وسلّم بالقدح في بطنه، وقال: استو يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدنى من نفسك (أى مكّنّى من القصاص من نفسك) فكشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نفسه، وقال: استقد: أي اقتصّ، فاعتنقه وقبّل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟

فقال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون اخر العهد بك أن يمسّ جلدى جلدك» «٢» ، فدعا له صلّى الله عليه وسلّم بخير.

ثم لما عدّل الصفوف، قال لهم: «إن دنا القوم منكم فادفعوهم عنكم بالنبل، واستبقوا نبلكم: لا ترموهم على بعد، (لأن النبل مع البعد يخطيء) ولا تسلّوا السيوف حتّى يغشوكم» ثم رجع صلّى الله عليه وسلّم إلى العريش يناشد ربّه ما وعده به من النصر، ويقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض» وأبو بكر يقول: «دع بعض مناشدتك ربك؛ إن الله منجز لك ما وعدك» فكان المصطفى فى مقام الخوف، وهو هنا أعلي، والصدّيق في مقام الرجاء، وهو هنا دونه.

ولما اصطفّ الناس للقتال رمى قطبة بن عامر حجرا بين الصفين، وقال: لا أفرّ إن فرّ هذا الحجر.

وعن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» ، فقال عمير بن الحمام «٣» - بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم- ابن الجموح الأنصاري: بخ بخ (كلمة تقال لتعظيم الأمر


(١) وكزه وكزة خفيفة.
(٢) من الإصابة لابن حجر: «سواد بن غزيّة الأنصاري: من بنى عدى ابن النجار. هو الذى أسر خالد بن هشام المخزوميّ. روى عبد الرزاق أن النبى صلّى الله عليه وسلّم كان يتخطى بعرجون، فأصاب به سواد بن غزية الأنصاري، فقال: أقدني ... » وساق القصة ورواه البغوى أيضا.
(٣) هو عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة الأنصاري. كان أوّل قتيل فى سبيل الله في الحرب، واتفقوا على أنه استشهد يوم بدر لا يوم أحد، كما زعم بعضهم أ. هـ. باختصار من الإصابة.