ويضرب بأهل بدر المثل في عدم المؤاخذة، قال بعض الشعراء:
يا بدر أهلك جاروا ... وعلّموك التّجرّي
وقبّحوا لك وصلي ... وحسّنوا لك هجري
فليصنعوا كيف شاؤا ... فإنّهم أهل بدر
وقال ابن الفارض:
فليصنع القوم ما شاؤا لأنفسهم ... هم أهل بدر، فلا يخشون من حرج
[غريب الاتفاق] وأوّل أبيات الشاعر السابق فيها من المحسّنات البديعية- غير التلميح- نوع يقال له:«غريب الاتفاق» لا سيما إذا كان المخاطب اسمه «بدر» ، وهو أن يتفق للشاعر أو الناثر وقعة أو نكتة يستخرجها من الكلام، أو من الوقائع، وهو عزيز الوقوع، وإن حصل للشاعر أو الناثر في ذلك قران سعد، سارت الركبان بقوله، كما اتفق لابن أبى حصينة المصرى في حسام الدين لؤلؤ صاحب الملك الناصر يوسف حين غزا الفرنج الذين قصدوا الحجاز من بحر القلزم، وظفر الحاجب بهم، فقال ابن أبي حصينة يخاطب الفرنج:
عدوّكم لؤلؤ والبحر مسكنه ... والدرّ في البحر لا يخشى من الغير
ومنه قول الصفيّ الحلّى في بديعيته:
ومن غدا اسم أمّه نعتا لأمّته ... فتلك امنة من سائر النّقم
ومنه قول ابن الساعاتي، وقد قصد الملك الناصر يوسف- المتقدم ذكره- «بيت يعقوب» من حصون الشأم مخاطبا للإفرنج:
* دعوا بيت يعقوب فقد جاء يوسف*
ومن غريب الاتفاق ما قيل من أن المأمون صنع تابوتا بديعا، يحمله حسان الغلمان على أكتافهم، ويطوفون به في خلال البستان، والمأمون جالس فيه، ومعه جوارى أبيه هارون الرشيد وجدّه موسى الهادي، فدعا الشعراء ذات يوم ليقولوا في ذلك شيئا، فأنشدوا ما عندهم إلا أبا نواس، فسأله المأمون، فتلا قوله