استطراد لمناسبة: قال عمر بن عبد العزيز: كان أبى إذا خطب ونال من عليّ يلجلج في كلامه، فقلت: يا أبت إنك تمضى في خطبتك، فإذا أتيت إلى ذكر عليّ عرفت منك تقصيرها، قال: أو فطنت لذلك؟ قلت: نعم، قال: يا بنى إن الذين حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم لتفرّقوا عنّا إلى أولاده.
فلما ولى عمر الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا ما يرتكبه في هذا الأمر العظيم لأجله، فكتب بتركه، وقرأ عوضه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... [النحل: ٩٠] فحل هذا الأمر عند الناس محلا عظيما، وأكثروا مدحه حتّى قال كثير في أبياته في حق عمر بن عبد العزيز:
وليت ولم تشتم عليا ولم تخف ... بريّا، ولم تتبع مقالة مجرم
وقيل: إنه قال: إن سبب محبتى عليا أنى كنت بالمدينة أتعلم العلم، وكنت ألزم عبيد الله بن عبد الله ابن مسعود، فبلغه عنى شىء من ذلك، أى في سب بنى أمية لعلي، فأتيته يوما وهو يصلى فأطال الصلاة، فقعدت أنتظر فراغه، فلما فرغ التفت إليّ وقال: متى علمت أن الله غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضى عنهم؟! قلت: ولم أسمع بذلك، قال: فما الذى بلغنى عنك في علي؟ فقلت:«معذرة إلى الله وإليك، والله لا أعود» ، فما سمع بعد ذلك يذكر عليّا إلا بخير. أ. هـ.
ولا مانع أن يقال: إنه لحسن سريرته السرية، وسيرة عدله العمرية، لما رأى الحق للإمام عليّ أبطل من نفسه مثلبة سبّه على المنابر، وهذا ما يقضى به حسن الظن في حق هذا الخليفة الموصوف بالعدل في الباطن والظاهر، بدليل استبدال ذلك بالاية الشريفة وهى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ، فمن جملة ذلك الأمر بعدم السب والنهى عنه، إذ هو من الفحشاء والمنكر، لا سيما وأن الغالب في الخلفاء والسلاطين والملوك إنما يأمرون بما يأمرون به من تلقاء أنفسهم، كأمر الخليفة المعتضد العباسى بسب معاوية على المنابر، كما حكاه ابن جرير عنه، وإن صح أنه أمسك عن ذلك بعد أن أنشأ كتابا ليقرأ على المنبر فيه مثالب معاوية ومعايبه، حيث قيل له: إن أهل بيت عليّ منهم الخارجون عليك في كل ناحية؛ فإذا سمعوا سبّ معاوية مال إليهم كثير من الناس، وخرجوا عن طاعة العباسية، فيكون عمر بن عبد العزيز