بادر بإزالة المنكر من بداية الأمر به، بدون أن ينتظر نصح ناصح، وهذا بفضله أكمل.
روى أنه لما سئل عن على ومعاوية، قال:«دماؤهم قد طهّر الله منها سيوفنا، أفلا نطهّر من الخوض فيها ألسنتنا؟!» .
* وفي منتصف شوال من هذه السنة الثانية، كانت غزوة بنى قينقاع (بفتح القاف وإسكان الياء وتثليث النون) بطن من يهود المدينة لهم شجاعة وصبر، وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت- رضى الله تعالى عنه- وعبد الله بن أبى بن سلول الخزرجى المنافق، وحلفاء للخزرج، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغى والحسد، ونبذوا العهد الذى كان صلّى الله عليه وسلّم عاهداهم به وعاهد بنى قريظة والنضير: أن لا يحاربوه ويظاهروا عليه عدوّه، وقيل: على ألايكونوا معه ولا عليه، وقيل:
على أن ينصروه صلّى الله عليه وسلّم على من دهمه من عدوه. فكانوا أوّل من غدر من يهود، وتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم، وتشبث به عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وفيه نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: ٥١] ، فجمعهم صلّى الله عليه وسلّم، وقال لهم: «يا معشر يهود احذروا من الله أن ينزل عليكم مثل ما نزل بقريش من النقمة (أى ببدر) ، أسلموا فإنكم قد عرفتم أنى مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله تعالى إليكم» ، فقالوا: يا محمد إنك تظننا مثل قومك، ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت لهم فرصة، إنّا والله لو حاربناك لتعلمنّ أنك لم تقاتل مثلنا. وقد قالوا ذلك لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا وأشدّهم بغيا، فأنزل الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ
[ال عمران: ١٢] ، فبينما هم على بغيهم ومجاهرتهم بكفرهم، إذ جاءت امرأة كانت تحت رجل من الأنصار إلى سوق بنى قينقاع، فجلست عند صائغ منهم في أمر حليّ لها، فجاء رجل من بنى قينقاع فجلس من ورائها وهى لا تشعر، فحلّ درعها إلى ظهرها بشوكة، فلما قامت تكشّفت، فضحكوا منها، فقام إليه رجل من المسلمين فاتبعه فقتله، فقتل اليهود المسلم، ونبذوا العهد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزل فيهم: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً [الأنفال: ٥٨] ، فتحصّنوا في حصونهم، فسار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ولواؤه كان أبيض بيد حمزة بن عبد المطلب رضى