ديتى ولا في دين أحد من الأمم؟ فقال جعفر: أيها الملك أمّا ما كنّا عليه فهو دين الشيطان؛ لأننا كنا قوما جاهلية، نكفر بالله ونأكل الميتة، ونأتى الفاحشة، ونقطع الأرحام، ونسىء الجار، ويأكل القوىّ منا الضعيف، وأما الدين الذى تحوّلنا إليه فدين الإسلام؛ فإن الله عز وجل بعث إلينا رسولا منا، نعرف صدقه وأمانته وعفافه، وهو الذى بشّر به عيسى ابن مريم عليه السلام فقال:(ومبشرا برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد) ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحّده ونعبده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة، (وعدّد إليهم أمور الإسلام) ، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، وأن نخلع ما كنا نعبد نحن واباؤنا دونه من عبادة الأصنام من الحجارة والأوثان، فصدّقناه وآمنّا به، ومعه كتاب كريم مثل كتابكم الذى أنزل على عيسى بن مريم عليه السلام. فقال النجاشى:«تكلمات بأمر عظيم، فعلى رسلك» ، ثم أمر بضرب الناقوس، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده، قال لهم: أنشدكم الله الذى أنزل الإنجيل على عيسى؛ هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا؟ فقالوا: اللهمّ نعم، قد بشّرنا عيسى ابن مريم عليه السلام، وقال: من امن به فقد امن بى، ومن كفر به فقد كفر بى. فقال النجاشى: ماذا يقول لكم هذا الرجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ قالوا: يقرأ علينا كتاب الله عز وجل، ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر، ويأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار، وصلة الرّحم، وبرّ اليتيم، وكفّ الأذى، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل اليتيم وقذف المحصنات، فحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله عز وجل، وأن نستحلّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشق علينا ذلك، وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، فأعجب النجاشى قوله، ثم قال له: هل عندك مما جاء به عن الله من شىء؟ قال جعفر: نعم، فقال النجاشى: اقرأه عليّ. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم ففاضت عين النجاشى وأصحابه من الدمع، وقالوا: زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب. فقرأ عليهم سورة الكهف، فقال النجاشى: إن هذا الكلام والذى أنزل على عيسى ليخرجان من مشكاة واحدة. ثم أقبل على جعفر وأصحابه، وقال: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، وأنا أشهد أنه رسول الله الذى بشّر به