للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عنه سورا من القران، أن له ولأصحابه معرفة بالعربية الفصيحة، فلعلّ بلاد هذا النجاشي المتملّك عليها هى الأراضى المجاورة لأرض اليمن، ويبعد أن تكون هذه السور ترجمت لهم من العربية بلسانهم، لأن الترجمة لا تؤثر في قلوبهم، حتى تفيض دموعهم، ويدلّ عليه فيض دموع الحبشة القادمين مع جعفر رضى الله عنه، لما تلا عليهم سورة يس، وقد تقدم في غزوة بدر أنّ غضب النجاشى على عمرو وأصحابه كان بحضور عمرو بن أمية الضمرى، وأن عمرو بن العاص طلب من النجاشى قتله! والخطب سهل؛ فلعل الواقعة تعددت، وبالجملة فالنتيجة واحدة: وهى أنه لم يقبل من عمرو بن العاص صرفا ولا عدلا في استجارة أصحابه صلّى الله عليه وسلّم.

وروت أمّ سلمة- رضى الله عنها- إذ نزل بالنجاشى من ينازعه في ملكه، قالت أم سلمة رضى الله عنها: فو الله ما علمنا حزنا قط أشد حزن حزناه عند ذلك تحرزا أن يظهر ذلك على النجاشى، فيأتى رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشى يعرفه، قالت: وسار النجاشى وبينهما ما عرض النيل «١» ، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يخرج حتّى يحضر وقعة القوم؟ فقال الزبير بن العوام: أنا، فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتّى خرج إليهم وحضرهم، ودعونا الله للنجاشى بالظهور على عدوه، والتمكن له في بلده، فظهر واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

* وفي سنة ست من الهجرة بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أمية الضّمرى- بفتح الضاد وسكون الميم- إلى النجاشى بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام، وكتب فيه ما صورته:

«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة؛ أما بعد فإني أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أنّ عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة المطهّرة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق ادم بيده ونفخه، وإنى أدعوك إلى الله واحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن


(١) لأن النيل بينهم وبين بلاد من بلاد السودان فقد كانت الحرب هناك.