للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى قريش ونشأت في بنى سعد فأنّى يأتينى اللّحن» «١» فقد كان من خصائص نبينا صلّى الله عليه وسلّم أن يكلم كلّ ذى لغة بلغته على اختلاف لغة العرب وتراكيب ألفاظها وأساليب كلمها، وكان أحدهم لا يجاوز لغته، وإن سمع لغة غيره فكالعجمية يسمعها العربي، وما ذاك منه صلّى الله عليه وسلّم إلا بقوة إلهية وموهبة ربّانية؛ لأنه بعث إلى الكافة طرّا وإلى الخليقة سودا وحمرا، ولا يوجد متكلم بغير لغته إلا قاصرا في تلك الترجمة، نازلا عن صاحب الأصالة في تلك اللغة، إلا هو صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنه كان إذا تكلم في لغة من لغات العرب أفصح وأنصع بلغاتها منها بلغة نفسها، وجدير به ذلك؛ فقد أوتى جميع القوى البشرية المحمودة، ومزية علي الناس بأشياء كثيرة.

وبالجملة فقد ألّف الناس في فصاحته وجوامع كلمه الدواوين، ولا خفاء بأن أفصح اللغات لغات العرب، وغاية لسان هارون وفصاحته إنما كانت في العبرانية، وإلا فالعربية أفصح منها «٢» ، وأما ما اشتهر علي ألسنة كثير من الناس أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنا أفصح من نطق بالضاد» ، فقال الحافظ ابن كثير، وتابعه تلميذاه الزركشي، وابن الجوزي، والجلال السيوطي، والسخاوي: إنه لا أصل له، كما يؤخذ من قول النجم. ثم هو صلّى الله عليه وسلّم أفصح من نطق بالضاد من بين أهل اللغة العربية، حيث لم يعزه لرواية، وهو صحيح المعنى، إذ معناه: أنا أفصح العرب لكونهم هم الذين ينطقون بها، ولا توجد في لغة غيرهم.

* وأما خلقه صلّى الله عليه وسلّم، فكان خلقه القران؛ يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حثّ عليه، ويمتنع مما زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في شهر رمضان لقرب عهد مخالطته جبريل عليه السلام، وكثرة مدارسته لهذا الكتاب الكريم الذى يحثّ على مكارم الأخلاق والجود، ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقا من المخالط، كما قال بعضهم لابنه:


(١) وقد روى أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة» رواه الشيرازى في الألقاب عن على كرم الله وجهه، وروى الحديث الذى ذكره الشيخ بلفظ اخر: «أنا أعربكم، أنا من قريش ولسانى لسان بنى سعد بن بكر» رواه ابن سعد.
(٢) أما قول الله تبارك وتعالى: (وأخي هارون هو أفصح منى لسانا) ليس المقصود فصاحة اللغة، وإنما المقصود أنه يستطيع أن يعبر أحسن منه، والله أعلم بمراده بذلك.