للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إلى (الساجدين) ، ولو فسّر قوله: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ بما مشى عليه بعض المفسرين بقوله: إنه أراد تعالى تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبى إلى نبى حتي أخرجك في هذه الأمة، لما ورد على هذا القول كفر ازر، وإنما يكون المراد بالساجدين اباؤه من الأنبياء فقط، مع أن القصد التعميم، ولكن لا مانع من أن يكون المراد بالاباء الساجدين الذين أولهم إبراهيم عليه السلام صاحب الملّة الحنيفية، ويؤيده مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ «١» مِنْ قَبْلُ [الحج: ٧٨] وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم: ٣٥] وقوله تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم: ٤٠] فلن يزال من ذرية إبراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله.

وورد عن ابن عباس ومجاهد وقتادة في قوله تعالى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف: ٢٨] قال: الإخلاص والتوحيد، لا يزال في ذريته من يواحد الله ويعبده. انتهى.

وهذا كله إذا فسرنا الاية بهذا التفسير المعقول المعنى، الذى نسبه الفخر الرازى عنتا للشيعة، مع أنه منقول عن أهل السنة، كما يعلم ذلك من اطلع على التفاسير الاخرى القرانية، ويا ليت ذلك الإمام عضّد تفسير الاية بخبر: «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» بل قال: إنه خبر احاد، فلا يعارض القران، فالذي يجب اعتقاده: طهارة نسبه صلّى الله عليه وسلّم.

ولا يرد على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لعمه أبى طالب الذي نزل فيه قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: ٥٦] الاية: «يا عمّ قل لا إله إلا الله: كلمة أحاجّ لك بها عند الله تعالى، فقال: يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق، ولكن أكره أن يقال: جزع عند الموت، ولولا أن يكون عليك وعلي بني أبيك غضاضة بعدي


(١) وكثير من الناس يعتقد أن المسمّى لنا «المسلمين» هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، وواقع الاية- والله أعلم- لا يفيد ذلك؛ فإن الضمير «هو» يعود إلى الله تعالى، يتضح هذا من قوله تبارك وتعالى بعدها: وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ فحرف الإشارة «هذا، هذا يعود إلى القران الكريم، وقوله تعالى «من قبل» يفيد ما نزل قبل القران، وهما التوراة الصحيحة والإنجيل الصحيح. فالله هو الذى سمانا مسلمين في التوراة والإنجيل والقران، وليس خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فافهم ترشد (انظر تفسير ابن كثير ٥/ ٤٥٢) .