للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعليل لامتناعه، وتعريض بها في خيانة عهدها (١)، وفيه عبرة عظيمة من العفاف والتقوى وعصمة الأنبياء، إذ يذكر هذه الموعظة في هذا الموقف الصعب، والمزلة الدحضة، مع الاعتصام بالله واللجوء إليه.

وكان هذا التعليل ببعض الأسباب الخارجية - بعد أن ذكرها بقبح الزنا وسوئه في ذاته - مما عسى أن يكون مؤثرًا عندها وداعيًا لها إلى اعتباره، والضمير للشأن كأنه قال إن الشأن الخطير هذا وهو ربي. على احتمال إنه خالقه، أو أنه العزيز، فإن كان العزيز هو المراد فالمعنى إن الشأن الخطير هذا وهو ربي العزيز أحسن مثواي حيث أمركِ بإكرامي فكيف يمكن أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه، وإن قيل إن الضمير راجع إلى الله - عز وجل - فالمعنى أن الحال هكذا فكيف أعصيه بارتكاب تلك الفاحشة الكبيرة، وفيه تحذير لها من عقاب الله تعالى.

وعلى التقديرين ففي الاقتصار على ذكر هذه الحالة إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية في الدلالة على استحالته، وكونه لا يدخل تحت الوقوع أصلاً (٢)، هذا تركيب وسياق ومعنى الكلام في اللغة فكيف يمكن أن يقع منه شيء بعد ذلك سبحانك هذا بهتان مبين.

الثاني: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وهو التعليل الثاني لإبائه وامتناعه واعتصامه، وضمير {إِنَّ} ضمير الشأن وهو يفيد أهمية الجملة المجعولة خبرًا عنه؛ لأنها موعظة جامعة، وأشار إلى أن إجابتها لما راودته ظلم، لأن فيها ظلم كليهما نفسه بارتكاب معصية مما اتفقت الأديان على أنها كبيرة، وظلم سيده الذي آمنه على بيته، وآمنها على نفسها إذ اتخذها زوجة وأحصنها.


(١) انظر العلامة ابن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٥١، ٢٥٢/ ١٢).
(٢) انظر المرجع السابق.

<<  <   >  >>