يقول العلامة ان عاشور: و {عَنْ} للمجاوزة، أي راودته مباعدة له عن نفسه، أي بأن يجعل نفسه لها. والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أي فالنفس أريد بها عفافها وتمكينها منه لما تريد والتعبير عن امرأة العزيز بطريق الموصولية في قوله تعالى:{الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} لقصد ما تؤذن به الصلة من تقرير عصمة يوسف - عليه السلام - لأن كونه في بيتها من شأنه أن يطوَّعه لمرادها.
{هَيْتَ لَكَ}: اسم فعل أمر بمعنى بَادرْ، واللام في {لَكَ} لزيادة البيان بالمقصود بالخطاب أي بادر أنت، وهِئْتُ لك أنت، كما في قولهم سقيا لك.
أشارت هذه العبارات إلى عصمة يوسف - عليه السلام - كما سبق من معنى السياق، وكذلك لم يكن منه بعد ذلك كله إلا أن قال {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)} وذلك ما نحلله في ثالثًا.
ثالثًا: قال معاذ الله: أي أعوذ عوذًا بالله، وهو مصدر أضيف إلى اسم الجلالة إضافة المصدر إلى معموله، أي أعتصم بالله مما تحاولين، مما تدعينني إليه، وهذا اجتناب منه على أتم الوجوه، وإشارة إلى التعليل بأنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله للخلاص منه (١)، لأنه شيء في حد ذاته في غاية القبح والسوء، وأنه ممتنع عنه أشد الامتناع، وعلل ذلك الامتناع والاستعصام بتعليلين:
الأول: بقوله: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}، وهذا من الكلام الموجه توجيهًا بليغًا حكي به كلام يوسف - عليه السلام - إما لأن يوسف - عليه السلام - أتى بمثل هذا التركيب في لغة القِبط، وإما لأنه أتى بتركيبين لعُذرين لامتناعه فحكاهما القرآن بطريقة الإيجاز والتوجيه، وأيا ما كان فالكلام
(١) انظر العلامة أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٩٣، ٩٤/ ٣).