وصلنا إلى نهاية هذا المشهد الذي جسد إباء يوسف - عليه السلام - واعتصامه بالله ووعظ المرأة بكون ذلك سوءًا وقبيحًا وظلمًا وخيانة لله ولزوجها، وأنه لا يفلح أصحابه في الدنيا والآخرة، مما كان بيانًا واضحًا منه - عليه السلام - باستحالة وقوع ذلك منه، هذا موقفه - عليه السلام - فما موقف المرأة؟ كأنها لم تسمع من ذلك شيئًا مما يدل على سيطرة الشهوة عليها، وتغييب العقل والمنطق والأخلاق، والذي بدا فيما أقدمت عليه حيث قال:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} عزمت على الفعل عزمًا محققًا، أكده القرآن الكريم بـ {وَلَقَدْ} ولام القسم، وجملة {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا، والمقصود من ذكر همها به تبيين ثبات يوسف - عليه السلام - على موقفه، وتمهيد إلى ذكر انتفاء همه لبيان الفارق بين الحالين بين حالة من سيطرت عليها الشهوة، ومن حكم عقله ودينه وخلقه وخوفه من ربه، واستبشاعه للخيانة والجرم، مع تعوذه والتجائه إلى الله من الوقوع في شيء من ذلك.
وجملة:{وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} معطوفة على جملة {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} كلها، وليست معطوفة على جملة {هَمَّتْ} والتي هي جواب القسم المدلول عليه باللام؛ لأنه لما أُردفت جملة {وَهَمَّ بِهَا} بجملة شرط {لَوْلَا} المتمحض لكون من أحوال يوسف - عليه السلام - وحده لا من أحوال امرأة العزيز تعين أنه لا علاقة بين الجملتين، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها، والتقدير ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها فلم يقع من يوسف هم أصلاً بهذا المعنى اللغوي الصحيح (١).
ومع ذلك فإن الهم الذي لم يقع أصلاً سواء قدمنا جواب {لَوْلَا} على شرطه، أم لم نقدمه فإن السياق واللغة وبقية الأدلة التي ذكرها القرآن تبين لنا أن هم يوسف - عليه السلام - ليس
(١) الطاهر بن عاشور (٢٥٢، ٢٥٣/ ١٢)، انظر رده على الطبري، وكذا رد الزمخشري وأبي السعود وغيرهم على من قال بأقوال لا تتلاءم مع السياق واللغة والعصمة للأنبياء.