أولاً: السياق السابق ذكرنا فيه كيف أن الله تعالى مكن ليوسف - عليه السلام - واتاه العلم والحكمة وبين فضله ومرتبته وظهر ذلك جليًا في رده على مراودة المرأة والذي ملخصه أنه مستعصم بالله، وأنه يستحيل أن يقع منه ذلك أصلاً، وحذر المرأة ووعظها، وذكرها بمغبة ذلك وسوئه، هل يعقل بعد ذلك أن تهمَّ به فيهم وهو المجتبى الذي يُذكرها بذلك، أن يقع في الخيانة وأن يهمَّ بالسوء، بعد أن يقول هذا حرام لا يجوز اتقى الله، هذه خيانة وظلم ولا يفلح أهله إنني أخاف الله ثم إذا به يقول هيا إليَّ أيتها المرأة، أين العقل إذًا أو الفهم أو الواقع، هل تقول له بادر فيقول لها لبيك! عجيب.
ثانيًا: إن الهم في اللغة له معانٍ أُخر جاء بعضها في القرآن الكريم من مثل قوله تعالى:
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}[غافر: ٥]، وقوله تعالى:{وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ}[التوبة: ١٣]، وجاء في الحديث:«أن رجلاً من الكفار شتم عمر بن الخطاب، فهمَّ به عمر - رضي الله عنه - ...». (١)
وعليه فلا شك أن هذا الهم الذي لم يقع أصلاً لابد يكون مخالفًا لهمَّ المرأة التي أغلقت عقلها وأقفلت قلبها على الشهوة فلم تر ولم تحس إلا من خلالها، والذي يقبله السياق أنه هم بها ليدفعها عن نفسه لما بدأت في مقدمات السوء، أو هم بها زجرًا وهو مقبول مع السياق، فالسياق دل على الموعظة بالرفق، والتبيين للخطأ والخيانة بالوجوه اللطيفة فإذا استمر الطاغي في طغيانه، والمعتدي في اعتدائه لابد أن ينتقل المنكر إلى درجة أعلى من الوعظ والتذكير ليدفع عن نفسه السوء كالزجر أو الدفع أو الضرب، خاصة وأن الباغي بدأ يأخذ في خطوات سوء أشد، وهذه وظيفة الأنبياء من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر