للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن ما فائدة البرهان الذي رآه يوسف - عليه السلام -، فلم يقع به هم أصلاً؟ هذا البرهان هو ما وقع في علم الله السابق من شهادة الشاهد بقطع القميص، فلعله لو دفعها لانقطع ثوبه من أمام فكان هو المتهم والمدان في هذه القضية، لذلك رأيناه يترك هذا الدفع، ويجري هاربًا، وهو متسق تمام الاتساق مع الواقع، وقرائن الأحوال، وبيان ذلك أيضًا لأنه لم يهم بها كما ذكرنا، وهو يتلاءم مع الهرب لا مع غيره مما ذكر الجهال، إذ قالوا قعد منها مقعده الذي ذكروا، فليس هذا همَّاً، بل انتقل من الهمَّ إلى الفعل، وهو لا تناسب منه مع الهرب الذي أكده السياق مع ترك الهم، فخالفوا بذلك السياق نفسه.

ثالثًا: لا يعقل أن يكون هم من أوتي العلم والحكمة والاصطفاء، كهم امرأة تريد أن تقضي شهوتها بأي سبيل بالترغيب والترهيب، والسجن والتعذيب، إن ذلك إهدار للعقل، ومساواة للشهوة بالحكمة، وللجهل بالعلم، وللخيانة والغدر بالوفاء والأمانة، ولم يعد هناك ميزان يتبين به الصلاح والفساد، ولا الهدى والضلال، واختلت الأمور، واختلفت الأحوال. ومن معاني ذلك أنه لو قيل إن الأستاذ المحترم الذي لم يؤثر عليه خيانة ولا سوء خلق يراود تلميذته عن نفسها، أو إن الطبيب الفلاني الماجد المؤدب صاحب التاريخ الناصع يراود مريضته، لن يكون الرد، لا، لا يمكن ذلك، ولا يحدث، ويصعب تصديقه، وسيكون الرد هذا عادياً.

تكملة الآية مما يؤكد ما نحن بصدده، نشير إليه سريعًا لأننا سنعود إليه، وهو قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)} فأشار القرآن بهذه الألفاظ إلى أنه صرف السوء والفحشاء عنه، ولو كان هو المتلبس بالسوء والفحشاء لكان التعبير كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء - الزنا والمقدمات - ثم ختم ذلك بالثناء عليه والمدح له {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} أي الذين لا يهمون بالسوء والفحشاء سبحانك هذا بهتان عظيم، بل هو من المخلصين الذين لا سبيل لمثل هذه الادعاءات إليه،

<<  <   >  >>