والنفس المطمئنة، والمطمئنة قال الله تعالى فيها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} [الفجر: ٢٧ - ٣٠] ونحن نروم الاختصار فنشير في تحليل الآية ومقارنتها إلى موضع البحث فقط، فالنفس المطمئنة الراضية المرضية موجودة في المؤمنين، وأول المؤمنين هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأولى والآخرة، وهو أعلاهم درجة، فأعلى النفوس المطمئنة إذن وأجودها وأكرمها على الله نفس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي الآية دليل آخر: أن النفس المطمئنة يقال لها: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)}، وأشرف عباده وأسماهم منزلة - كما ذكرنا من قبل - هو الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فالنفوس المطمئنة تدخل في زمرته صلوات الله وسلامه عليه، وتشرف بالانضواء تحت رايته، فكان هذا برهاناً - على أقل تقدير - على خروج نفس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حد النفس الأمارة والنفس اللوامة، ووصوله إلى أكمل درجات النفوس المطمئنة، وأما صفة النفس المطمئنة المذكورة في الآية فهي الساكنة الهادئة - لأنها اسم فاعل من الاطمئنان - غير مضطربة ولا منزعجة، وهذا يجوز أن يكون من سكون النفس بالتصديق لما جاء به القرآن دون تردد، ولا اضطراب بال، ويجوز أن يكون من هدوء النفس بدون خوف ولا فتنة في الآخرة والاطمئنان مجاز كذلك في طيب النفس وعدم ترددها في مصيرها بالاعتقاد الصحيح، حين أيقنوا في الدنيا بأن ما جاءت به الرسل حق فذلك اطمئنان في الدنيا، ومن أثره اطمئنانهم يوم القيامة حين يرون مخايل السعادة والرضا نحوهم، ويرون ضد ذلك نحو أهل الشقاء، وقد فسر الاطمئنان بيقين وجود الله ووحدانيته، وفسر باليقين بوعد الله، وبالإخلاص في العمل ولا جرم أن ذلك كله من مقومات الاطمئنان المقصود فمجموعه مراد وأجزاؤه مقصودة (١).
ومما سبق تتضح مرتبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنيفة السامقة.
(١) انظر العلامة الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٣٤٢ - ٣٤٣/ ٣٠).