ومفعوله بأن الشرح من أول الأمر من منافعه عليه الصلاة والسلام ومصالحه، مسارعة إلى إدخال المسرة في قلبه الشريف، مع استخدام طريقة الإبهام للتشويق، فإنه لما ذكر فعل {نَشْرَحْ} علم السامع أن ثم مشروحًا، فلما وقع قوله {لَكَ} قوي الإبهام فازداد التشويق، لأن {لَكَ} يفيد معنى شيئًا لأجلك، فلما وقع بعده قوله {صَدْرَكَ} تعين المشروح المترقب، فتمكن في الذهن تمام التمكن، وعلم منه كل تلك الأفضال (١).
- وإسناد الفعل إلى ضمير العظمة للإيذان بعظمة ذلك الشرح وجلالة قدره ليظهر ما أشرنا إليه من قبل من دلالة الشرح على شيء عظيم بالغ العظمة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
- نخلص مما سبق إلى وقوع شرح صدر عظيم لا يقادر قدره إلا الله للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
- وأن هذا الشرح لصدره الشريف لا خلاف بين العلماء جميعًا أنه وقع معنويًا، وأنه وقع حسيًا عدة مرات، وإنما الخلاف بينهم في كون السورة تدل على الشرح البدني بالذات أو لا؟ فذهب المحققون منهم إلى ضعف ذلك، وذهب البعض إلى أنها تدل عليه، ومن ذهب إلى أن الشرح البدني معجزة خارقة للعادة - وهي كذلك - أكد على أن الآية تدل عليه، ونعود إلى السؤال المفترض أولاً، وهو هل المستمعون من قريش يجيبون ببلى عندما يقرع أسماعهم لأول مرة هذا الاستفهام الإنكاري {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)} أم لا؟
فالإجابة أنه على القول الأول بأن الشرح هو المعنوي نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نقول نعم! وذلك لما كانوا يطلقونه عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حميد الصفات قبل البعثة حتى لقبوه بالأمين، وقد ازدادت أمام أعينهم تلك الصفات بعد البعثة خاصة ما يتعلق بشرح الصدر ككظم الغيظ، وتحمل الأذى، والعفو، وعدم مقابلة السيئة بالسيئة مما لا يحصى وقائعه،
(١) انظر أبا السعود، "إرشاد العقل السليم" (٨٨١/ ٥)، الألوسي، "روح المعاني" (٣٠١/ ٣٠)، الطاهر بن عاشور، "التحرير والتنوير" (٤٠٩ - ٤١٠/ ٣٠)، برهان الدين البقاعي، "نظم الدرر" (٤٦٠/ ٨).