فما وقع منه إلى وقت نزول الآية كان قبل البعثة، وأن يصل إلى علم أهل مكة فهذا أمر غير مستغرب ولا مستبعد؛ في مجتمع صغير على هذا النحو، وقد ذكرنا شيئًا من هذا في سورة الضحى، حيث تأخر الوحي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا بهذا الأمر قد بلغ لكل أحد ساعتها.
فشيوع هذا الأمر بين أهل مكة حال طبيعي من أحوال البشر في نشر وانتشار مثل هذا الخبر، وإنما النقاش الآن في عدم الاهتمام الكافي به، وما يكون ذلك إلا لأنه خبر لا ينبني عليه ما يهم الناس وقتها، ولا هو مؤثر في حيز اهتمامهم وانشغالهم، أما وقد جاء خبر النبوة الصعب، فمن السهل التذكير بما كان مما له علاقة بما هم فيه من أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والرسالة، وهم يذكرون ذلك جيدًا لعدم دفعهم إياه، أو تكذيبهم به، التكذيب المتعلق فعلاً بعدم الوقوع، ليس الشغب والجحود والمكابرة.
فالقرآن الكريم خاطبهم إذن بأخبار وأحداث يعلمونها، وإلا فإن الكذب في خبر واحد في مثل هذا إنما ينسف الرسالة من أصلها، ويدلل على اختلاقها وأنها ليست من عند الله، وما كان المشركون حينئذ في حاجة لردها بالحديد والنار حيث اختاروا هذا الطريق.
(١) أخرج أبو يعلى في مسنده (١٥/ ١٤٦)، وابن حبان في صحيحة (٢٧/ ١٨١)، وأبو نعيم في الدلائل (١/ ١٨١)، وذكره الحافظ في الفتح (١١/ ١٧٥)، من حديث عمرو بن العاص قال «ما رأيت قريشاً أرادوا قتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا يوم أئتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلى عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبى معيط فجعل رداءه في عنقة، ثم جذبه حتى وجب لركبتة، وتضايح الناس، وظنوا أنه مقتول، قال: وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ورائه وهو يقول: أيقتلون رجلاً أن يقول ربى الله؟ ثم إنصرفوا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قضى صلاتة مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: «يا معشر قريش، أما والذى نفس بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح» وأشار بيدة إلى حقلة، قال له أبو جهل «يا محمد ما كنت جهولاً» وفي روايه «إنصرف يا أبا القاسم راشداً فوالله ما كنت جهولاً» قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنت منهم».