للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متى أيضًا كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينتظر مال خديجة أو ينظر إليه.

وردًا آخر رده "وات" على نفسه، وهو من عجائبه أو قل سخائمه، وهو قوله بعد إن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتحنث في غار حراء هربًا من حر مكة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تكن له القدرة المالية التي تتيح له الذهاب إلى الطائف (١). أي ليصطاف كما يصطاف ميسورو مكة في الصيف (سنعود إلى التحنث في غار حراء مرة أخرى إن شاء الله) وإنما هذا رد سريع على هذا الإفك، كيف نوافق على هذا التناقض أو نوقفه.

ثم تزداد حدة التناقض بقوله ربما لم تكن خديجة من الثروة كما يقال عنها أحيانًا، فإذا لم تكن كذلك، فمن أين وضع الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدمه على الأقل على أولى درجات النجاح الدنيوي كما تدعي، وانظر إلى الأسلوب العلمي الفذ الذي يلاحقنا به، ويلاحق القرَّاء والباحثين، حيث لا يملك عند محاولة تفريغ السيرة من مضمونها ووحيها وكمالها وجلالها وجمالها إلا العجز الذي يسميه البحث التاريخي، فلا تخلو جملة، وصفحاتها من قوله، «وربما»، «ومن المحتمل»، «ويمكن»، «ولعله»، ولو «افترضنا»، «ولا يمكن» فهل ربما ومن المحتمل ولا يمكن وغيرها، هل هذا بحث، أو هو تشويش وشغب على الحقائق يلويها بعيدًا عن الواقع الحق لها لتصل إلى بغيته لا إلى نتيجة البحث.

وهذا اللفظة التي وضعها في الجملة، وهي وقوله أحيانًا، أي كما يقال أحيانًا عن خديجة إنها ثرية ولها ثروة تجعلها من أصحاب التجارات إلى الشام وغيرها، فهذا ليٌّ صريح لعنق الحقيقة ورد كاذب للواقع، بل كان يقال عنها دائمًا إنها من أصحاب الثروات وإنها غنية وإنها تستأجر التجار ليتاجروا لها في مالها، ولم تسمع أن ذلك يقال أحيانًا، إنما كان ذلك


(١) "وات"، "محمد في مكة" (١٠٩)، هذه ترجمة شعبان بركات، أما ترجمة المصرية العامة للكتاب التي ننقل غالبًا منها فهي قول "وات"، وربما كان ذلك وسيلة للهروب من حرارة مكة في موسم متعب لمن كانوا لا يستطيعون الذهاب إلى الطائف.

<<  <   >  >>