للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقل لي بربك بأي شيء يوصف هذا الكلام، لم ير "وات" في هذه السنين المجهولة إلا يتمه وضلاله وفقره، أكثر من خمسة عشر عامًا.

ويقال، كيف يكون الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تزوج ويطلق عليه يتيم، هذا هزل وتنكيت في مقام الجد والبحث، ثم نعيد ما قال في الوصف الثالث، وهو فقره كيف يكون فقيرًا بعد الزواج كما يدعي أن هذه الآيات هي التي توضح تلك الفترة من عمره الشريف، وهو القائل قبل قليل في الصفحة السابقة، إنه بزواجه قد وضع قدمه على أول درجة على الأقل من درجات النجاح الدنيوي. (١)

ثم أنّى له الضّلال، وقد ذكر أنه بزواجهِ بخديجة، بدأ الانتظام في التردد على ورقة بن نوفل وظهرت آثار التعاليم المسيحية على اتجاهه فيما بعد (٢)، إلا أن يكون هذا التأثير المسيحي الذي يهلِّل له هو ذلك الضَّلال الذي ظنَّ وقوعه فيه في هذه الفترة، وكيف يشجعه ورقة، وتشد خديجة من أزرهِ ليثبت على هذا الضَّلال.

ثم ننظر من وجهة أخرى تكشف جانبًا غريبًا من تفكير "وات" ومنهجه وهي أنه بعد أربعة عشر قرنًا من الزمان يخبرنا بهذا البحث أقصد الهذيان، ولم يأخذ بقول من عاشروه ونقلوا سيرته، وتتبعوا أخباره، وهو يعتمد كتبهم وينقل منها، ألم يتكلم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشيء خمس عشرة سنة، ولم يبع ولم يشتر ولم يعاشر، ولم يشارك في شيء حتى سمي بالأمين، ترى هذا الوصف يوسم به في يوم وليلة، أم أنه نتيجة احتكاكات طويلة، ومعاشرات ومعاملات ومصادقات، وإعطاء وأخذ ورد ومواقف كلامية ونفسية، وعلاقات اجتماعية واقتصادية، حتى يقال ذلكم الأمين الذي ليس مثله أحد.


(١) "وات"، "محمد في مكة" (١٠٠)، ترجمة د. عبد الرحمن الشيخ وآخر.
(٢) ٥١ - ٥٢ Ibid pp انظر عبد الله النعيم، "الاستشراق في السيرة" (٦٥).

<<  <   >  >>