ثانيا: قررت الآية وهو ما انبنى على أولاً، أن الكتابيين يهودًا ونصارى قد اتبعوا هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العربي الأمي في مكة - على أي حال كانوا - في هذا الزمن المتقدم من عمر الدعوة الإسلامية، وقد نوهت الآية وامتدحت أولئك المؤمنين الذين عظموه واحترموه ونصروه واتبعوا القرآن والوحي النازل معهم.
ولم يجادل أحد من المشركين أو أهل الكتاب من غير المؤمنين في هذه الآية، وصحة هذا القول والخبر، مما يدل على كونه واقعا غير قابل للرد، ثم يأتي مشككو آخر الزمان، ملفقو البهتان والقول الجزاف ليماروا فيما لم يمار فيه الكفار المشركون، ولا سلفهم إن كان من المعاندين اليهود والنصارى.
وقد قررت الآية أنه النبي الأمي لئلا يكون لمبطل ممن يقول بعدم خروج النبوة من بني إسرائيل - خصامًا ومكابرة - لئلا يكون له وجه، أو لكلامه صفة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى للتأكيد على أنه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا سواه هو ذلك النبي الذي تحققت فيه تلك الصفات.
والآية الثانية تضمنت الدعوة الصريحة إلى الناس جميعًا للإيمان بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يؤمن بالله وكتبه، وأول مدعو إلى ذلك هم أولئك الكتابيون الذين عرفوا صفاته، وذكر في كتبهم، وعرفوه كما يعرفون أبناءهم، بحقائق وبشارات هي بشارات ونعوت النبي العربي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
والآيات كثيرة في هذا السياق، مع تقريرات جديدة، وصور مختلفة ذكرها محمد دروزة في كتابه (سيرة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صور مقتبسة من القرآن الكريم)(١)، وإن كان استشهادنا بالآيات
(١) محمد عزة دروزة، "سيرة الرسول صور مقتبسة من القرآن الكريم" (٣٣٥/ ١).