في محاولة لإعطائها وجوها أخرى من التفسير يحتملها النص العربي وموافقة الواقع، وإن كان هناك تفسيرات غير تلك التفاسير ذكرها المفسرون، وظن الباحث أنها من إثراء النص القرآني وإعجازه مهما اختلفت وتباينت عما نحن فيه.
وتفسير جميع ما ورد ذكره يطول به البحث، وإنما نسوق ما يؤدي الغرض وتطمئن به نفس الباحث والقارئ، ولذا نختم بآيتين أو ثلاثة تعضيدًا لما سبق، وإظهار لإسلام أهل الكتاب في مكة.
والآية الكريمة مما نزل بمكة وهي متأخرة بعض الشيء وهو مناسب لمعناها إذ هي تصوير وتقرير لواقع مشاهد معلوم حين نزلت الآية الكريمة بوصفه، وهو أن الكتابيين يؤمنون بما جاء به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن كانت ألفاظ الآية أن الذين آتاهم ربهم الكتاب يؤمنون به، وإن جادل مجادل بأن ليس كل أهل الكتاب آمنوا وأن ذلك مخالف للواقع، وطبائع البشر.
فالرد أنه ليس كذلك بل كانت مكة بعد الفتح كلها مسلمة بدون استثناء، ومع ذلك يقال نعم ليس كل الكتابيين قد آمنوا بمعنى دخولهم الإسلام واتّباعهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن بمعنى التصديق فمن صدق واتبع فهو مؤمن، ومن صدق وعاند، أو كتم فلا شك أنه يؤمن به، ولكن منعه من الاتباع ما منع الكفرة من ذلك كما أشرنا، فالكل يؤمن به بغض النظر عن اتباعه التصديق بما يدل عليه أو لا.
ثم إن من آمن حجة لمزيد علمه وتبين الدلائل له على من لم يؤمن، فكأن الحجة بالإيمان قد شملت الجميع إذن، إذ ظهرت لهم براهين الصدق وعلامات البشارة به.