من سورة الإسراء، وهي من السور المبكرة في النزول نوعًا ما، وهي تحكي على تفسير ظاهرها مشهدًا واقعًا قبل نزولها، يبين حالة أهل العلم من الكتابيين عند تلاوة القرآن الكريم وسماعه، وهي توكيد لما قلناه من استجابة الكتابيين خاصة علماءهم للدعوة في هذا الوقت المبكر، وهي وصف لموقف هؤلاء الكتابيين من القرآن الكريم في سجودهم وبكائهم وخشوعهم إيمانًا به وتصديقًا لما جاء فيه وتلك الآيات جاءت في مقام التحدي والتقريع للكفار؛ معلنة أن جحودهم ومواقفهم من الإيمان بدعوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا قيمة لها ولا اعتبار، إذ إن من له قيمة بالعلم يقف موقفًا تصديقيًا خاشعًا، ولموقفهم القيمة المهمة والاعتبار الكبير لأنهم هم من تصدقونهم، وهم موضع ثقتكم، وهذا يدل على أن هذه المواقف من الكتابيين كانت تقع على مرأى أو علم من الكفار؛ مما يعطي قوة صمود واستعلاء يؤيد الله بها الدعوة في مثل هذا الوقت العصيب (١).
ولابد في نهاية ما أشرنا إليه من آيات من ذكر تلك الآية التي يحتج بها المهووسون المتعصبون من المستشرقين وأذيالهم هذه الأيام، ومنذ أن بدأ الاستشراق نفث سمومه، وهي قوله تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[يونس: ٩٤].
وننوه بداية بهذه الحقيقة، وهي أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، مفهوم تمام الفهم عند عموم المخاطبين، وبالتالي لو كان في هذه الآية مطعن على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو الإسلام
(١) محمد عزة دروزة، "سيرة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صور مقتبسة من القرآن الكريم" (٣٤٦ - ٣٤٧/ ١).