معنى أو لفظًا لسمعنا بهذا الطعن، ولما سكتوا عنه في جملة ما يواجهون به هذه الدعوة؛ بل على العكس هو يواجههم بها دليلاً على صدق الدعوة، ولو كان فيها ما يمكن تصيده، والتعكير به على صفو الدعوة لما تأخروا أبدًا خاصة وقد حكى القرآن الكريم بدون ما وجل أو تردد كل اتهاماتهم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وللإسلام.
ومن ثم نجابه هؤلاء بالتفسير العربي للآية - والذي لا شك أنهم بعجمتهم لا يفهمونه من تلقاء ما تعلموه من العربية - إذ مهما تعلموا فلن يصلوا إلى عشر معشار سليقة العرب التي نزل القرآن بلسانهم، ولذا كان جهلهم بالأساليب العربية السبب الأول في هذا الخلط علاوة على سوء النية وفساد الطوية التي ظهرت على ألسنتهم في كتاباتهم ونقاشهم.
وإلى تفسير الآية كما أشار إليه العلامة ابن عاشور حيث هو من توسع في ذكر ذلك فنذكره ملخصًا (١)، يقول:
الفاء في قوله {فَإِنْ كُنْتَ} تفريع على سياق القصص التي جعلها الله موعظة لأهل مكة وتعريض أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من أمثالهم، وانتقل بهذا التفريع إلى أسلوب آخر تعريض لهم بشهادة أهل الكتاب على تلك الحوادث، وما في الكتب السابقة من الأنباء برسالة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فالمراد ما أنزلنا هو المنزل الذي تفرع عليه هذا الكلام، وهو القصص الذي أنزل في هذه السورة.
ثم إن الآية تحتمل معنيين، سواهما عرضة للتعكير عليه، والأخذ والرد والمعنيان اللذان تحتملهما الآية وهما في قوله {فِي شَكٍّ}، فإما أن تبقى الظرفية التي دلت عليها {فِي} على حقيقتها، أو أن تكون {فِي} للظرفية المجازية.
(١) الطاهر بن عاشور، "التحرير والتنوير" (٢٨٤ - ٢٨٦/ ١).