للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويكون المعنى على الاحتمال الأول أن الشك أطلق وأريد به أصحاب الشك؛ أي فإن كنت في قوم أهل شك مما أنزلنا إليك، أي يشكون في وقوع هذه القصص، كما يقال: دخل في الفتنة أي في أهلها، إذ لا يعقل أن يكون الرسول في شك مما أنزل إليه، فكيف يدعو لما هو شاك فيه، وذلك من وجهة أخرى ينافي عصمته في التبليغ عن الله تعالى، وقد علمنا قوله عن الله جل وعلا: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤]، وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: ١٦]، وقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: ٢].

ويكون معنى {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} أي سؤال تقرير وإشهاد لأنه لا يمكن أن يسألهم استفسارًا أو تعلمًا لنفي القرآن الكريم لذلك، ولأن القرآن الكريم نزل مهيمنًا على تلك الكتب، وشاهدًا للصحيح منها بالصحة، وللباطل منها بالبطلان، والقرآن ممتلئ من تلك التقريرات والشهادات، وكم بيّنَ بطلان عقائد اليهود والنصارى، وأظهر ضلالهم، فكيف يستفسر منهم عن علم شيء إلا أن يكون صحيحا عنده أنه في كتبهم بمثل ما جاء به القرآن الكريم، وأنهم لا يمكن في الواقع أن يكتموه، بل بدا من حالهم أنهم يشهدون بما علموه حقا، ومن ثم توجه إليهم طلب الشهادة.

ويكون المقصود من الآية حينئذ إقامة الحجة على المشركين بشهادة أهل الكتاب من اليهود والنصارى قطعًا لمعذرتهم.

والمعنى الثاني أن تكون {فِي} للظرفية المجازية كالتي في قوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} [هود: ١٠٩]، ويكون سوق هذه المحاورة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على طريقة الإلقاء التعريضي التي يسلكها الحكماء وأصحاب الأخلاق، متى كان توجيه الكلام إلى من يظن نفوره منه كما في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥].

وهذا لا شك غير موجه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما موجه للكفار على طريقة الحكيم فيمن يخشى

<<  <   >  >>