للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن ينفر من سماع الحق، وكذلك يستخدم هذا الكلام رفقا بمن يقصد سوق الكلام إليه.

وكلا الاحتمالين يلاقي قوله {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} فإنه يقتضي أن المسؤول عنه مما لا يكتمه أهل الكتاب، ولا يتحرجون من إعلانه والشهادة به كما ذكرنا.

أما جملة {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} فهي استئناف بياني لجواب سؤال ناشئ عن الشرط وجوابه، وهو فإن كنت في شك فاسأل، وكأن السامع يقول فإذا سألتهم ماذا يكون فيأتي كلام جديد مؤكد بلام القسم وقد " {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، وما تأكد هذا الكلام بهذين المؤكدين إلا لدفع إنكار المعرضين، إذ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بحاجة لإعلامه بأنه على الحق، لأن من وحي الله له قوله تعالى: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: ٧٩] وهو إعلام السائلين بطريق التعريض.

وقوله {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤)} تعريض بالمشركين أيضًا بأنه يحذر أن يكون منهم والامتراء هو الشك فيما لا شبهة للشك فيه.

والآية التالية تزيد ما سبق توضيحا إذ هي أصرح في التعريض بالمشركين، وهي قوله تعالى {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٩٥)} وهي تقتضي أن الذين كذبوا وشكوا في آيات الله هم الكفار، وهم خاسرون في الدنيا إن بقوا على ذلك وخاسرون في الآخرة، وهي تقتضي أنهم هم المكذبون الشاكّون فلا يكونن أحد منهم؛ لأنه يكون حينئذ خاسرًا خسرانا مبينا.

ويكون في النهاية حاصل المعنى: فإن كنتم شاكّين في صدق ما أنزلنا على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما أصاب المكذبين قبلكم، فاسألوا أهل الكتاب يخبروكم بأن ذلك صدق فذلك هو الحق الذي جاءكم من رب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا تكونوا شاكين، ولا تكذبوا بآيات الله فتكونوا خاسرين.

<<  <   >  >>