ومثل ما تواتر عن إخبار النصارى بوجوده في كتبهم، مثل إخبار هرقل ملك الروم، والمقوقس ملك مصر، والنجاشي ملك الحبشة.
الثالث: نفس إخباره بذلك في القرآن مرة بعد مرة، واستشهاده بأهل الكتاب، وإخباره بأنه مذكور في كتبهم مما يدل العاقل على أنه كان موجودا في كتبهم فلو لم يعلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مكتوب عندهم بل انتفى ذلك لامتنع أن يخبر بذلك مرة بعد مرة، ويُظهر ذلك لموافقيه ومخالفيه وأوليائه وأعدائه (١).
ونعود لنلم سريعًا بما ينبغي التعليق على "وات" فيه:
وأوله: إخفاء كل ما ذكرنا من بشارات بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي عادته في إخفاء الحق الذي يدينه، وذلك من أصول منهجه، وهو بلا شك مع تدقيقه قد مر عليه ذلك لأنه أثبت في بداية كتابه المصادر التي لجأ إليها في أبحاثه.
ثانيًا: قلبه للحقائق، فإذا اضطر لذكر بعض الحوادث التي يظن أنها تؤيد ما ذهب إليه في بحثه، وبعضها يخالفه قلب ما يخالف بكل بجاحة إلى ما يوافق كقصة ورقة، وهرقل وغيرهما، أو حملها معان لم يحلم أي ضال بالوصول إليها، لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بسياق النص، أو بالجو العام أو الواقع التي حدثت فيه الحادثة وسنزيدها إن شاء الله مناقشة جديدة في كل موضع استدل بها، وهو يدل من وجهة أخرى على تقطيعه لأوصال الموضوعات والحوادث، ليستدل بها ويبرهن بها في أماكن مختلفة بوجوه مختلفة، لو جمع النص كما هو لما اختلف عقلان على إرادة غير ما ذهب "وات" إليه.
(١) وانظر د. أكرم العمري، "السيرة النبوية الصحيحة" (١٢٠/ ١).