للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (٤)}.

وننظر في تحليل هذه الآيات وأول ما يصادفنا نداء النبي بـ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)} نداء تلطف وترفق ومثله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١].

وهذا التزمل الذي أشارت إليه الآية قال الزهري وجمهور المفسرين: إنه التزمل الذي جرى في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَمِّلُوني زَمِّلُوني» حين نزل من غار حراء بعد أن نزل عليه.

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] الآيات كما في حديث عروة عن عائشة في كتاب بدء الوحي من «صحيح البخاري» وإن لم يذكر في ذلك الحديث نزول هذه السورة حينئذٍ، وعليه فهو حقيقة.

ومحملها على أن التزمُّل حقيقة، وقال عكرمة (١): معناه زُمِّلْتَ هذا الأمر فقم به، يريد أمر النبوءة فيكون قوله: {اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} مع قوله: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا

طَوِيلًا (٧)} [المزمل: ٧] تحريضاً على استفراغ جهده في القيام بأمر التبليغ في جميع الأزمان من ليل ونهار إلاّ قليلاً من الليل وهو ما يضطر إليه من الهجوع فيه. ومحمل التزمل عنده على المجاز.

فإذا كانت سورة المزمل قد أنزلت قبل سورة المدثر كان ذلك دالاً على أن الله تعالى بعد أن ابتدأ رسوله بالوحي بصدر سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} [العلق: ١] ثم أنزل عليه سورة القلم لدحض مقالة المشركين فيه التي دبرها الوليد بن المغيرة (٢)، أن يقولوا: إنه ساحر.


(١) ابن كثير، تفسير القرآن (٤/ ٤٣٤).
(٢) انظر ابن هشام، السيرة النبوية (١٧٢ - ١٧٣).

<<  <   >  >>