للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لشأنه بكثرة الإِقبال على مناجاة ربه في وقت فراغه من تبليغ الوحي وتدبير شؤون المسلمين وهو وقت الليل فكان هذا حكماً خاصاً بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ذكره الفقهاء في باب خصائص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن واجباً على غيره ولم تفرض على المسلمين صلاة قبل الصلوات الخمس (١).

وقال {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} وهو عود إلى الترغيب في أن تكون مدة القيام أكثر من نصف الليل ولذلك لم يقيد {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} بمثل ما قيد به {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ} لتكون الزيادة على النصف متسعة، وقد ورد في الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بالعزيمة فقام حتى تورمت قدماه وقيل له في ذلك: «إن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر» فقال: «أفَلا أكونُ عبداً شكوراً (٢)».

والقول الثقيل هو القرآن وإلقاؤه عليه: إبلاغه له بطريق الوحي بواسطة الملَك.

والثقل الموصوف به القول ثقل مجازي لا محالة، مستعار لصعوبة حفظه لاشتماله على معان ليست من معتاد ما يجول في مدارك قومه فيكون حفظ ذلك القول عسيراً على الرسول الأمّي تنوء الطاقة عن تلقّيه.

وأشعر قوله: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} أن ثقله متعلق ابتداء بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله قبله: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ} وهو ثقل مجازي في جميع اعتباراته وهو ثقيل صعب تلقيه ممن أنزل عليه. قال ابن عباس: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربَّد له جِلده» (أي تغير بمثل القشعريرة) وقالت عائشة: «رَأَيْتُةُ ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفَضُّ عرقاً (٣)».


(١) ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٥٨).
(٢) البخاري، باب قيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٤/ ٢٩٢).
(٣) البخاري، باب بدء الوحى (١/ ٤).

<<  <   >  >>