للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحاجة المشركين وافتقادَ المؤمنين المستضعفين، فعبر عن جميع ذلك بالسبح الطويل، وفيه إرشاد إلى أن النهار ظرف واسع لإِيقاع ما عسى أن يكلفه قيامُ الليل من فتور بالنهار لينام بعض النهار وليقوم بمهامه فيه (١).

وقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي في النهار من أول البعثة قبل فرض الصلوات الخمس كما دل عليه قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)} [العلق: ٩، ١٠]. وقد تقدم في سورة الجن أن استماعهم القرآن كان في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه في نخلة في طريقهم إلى عكاظ. ويظهر أن يكون كل هذا مقصوداً لأنه مما تسمح به دلالة كلمة {سَبْحًا طَوِيلًا (٧)} وهي من بليغ الإِيجاز (٢).

انقطاع مجازي، أي تفرغ البال والفكر إلى ما يرضي الله، فكأنه انقطع عن الناس وانحاز إلى جانب الله فعدي بـ {إِلَى} الدالة على الانتهاء، قال امرؤ القيس:

والتبتيل: مصدر بتَّل المشدد الذي هو فعل متعد مثل التّقطيع.

المراد بالانقطاع المأمور به انقطاع خاص وهو الانقطاع عن الأعمال التي تمنعه من قيام الليل ومهام النهار في نشر الدعوة ومحاجّة المشركين ولذلك قيل {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} أي إلى الله فكل عمل يقوم به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أعمال الحياة فهو لدين الله فإن طعامه وشرابه ونومه وشؤونه للاستعانة على نشر دين الله. وكذلك منعشات الروح البريئة من الإِثم مثل الطِّيب، وتزوج النساء، والأنس إلى أهله وأبنائه وذويه، وقد قال: «حُبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب (٣)». وهو حال مأمور به المؤمنون القائمون بأمر الدعوة التى ينبغى الاتصاف بها.


(١) ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٦٣ - ٢٦٤).
(٢) ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٦٤).
(٣) ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٦٥ - ٢٦٦).

<<  <   >  >>