للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس هو التبتل المفضي إلى الرهبانية وهو الإِعراض عن النساء وعن تدبير أمور الحياة لأن ذلك لا يلاقي صفة الرسالة.

ومن أكبر التبتل إلى الله الانقطاع عن الإِشراك، وهو معنى الحنيفيّة، وهو التعلق بالله وحده في كل أموره – ومن معانى التبتل ذلك الاعتكاف على الله تعالى، والخلوة به تزودا بزاد جديد يصفى النفس ويقويها على القيام بمهمات الدعوة.

ولذلك عقب قوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (٨)} بقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا

هُوَ}.

وخلاصة المعنى: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مأمور أن لا تخلو أوقاته عن إقبال على عبادة الله ومراقبته والانقطاع للدعوة لدين الحق، وإذ قد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قبلُ غير غافل عن هذا الانقطاع بإرشاد من الله كما ألهمه التحنّث في غار حراء ثم بما أفاضه عليه من الوحي والرسالة. فالأمر في قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} مراد به الدوام على ذلك فإنه قد كان يذكر الله فيما قبل فإن في سورة القلم (٥١) (وقد نزلت قبل المزمل) {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} على أن القرآن الذي أنزل أولاً أكثره إرشاد للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى طرائق دعوة الرسالة فلذلك كان غالب ما في هذه السورِ الأوللِ منه مقتصراً على سَن التكاليف الخاصة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويتبعه في ذلك الداعون بدعوته المتمسكون بسنته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وعُقِّب وصفُ الله تعالى بـ {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} بالإِخبار عنه أو بوصفه بأنه لا إله إلاّ هو لأن تفرده بالإلهية بمنزلة النتيجة لربوبية المشرق والمغرب فلما كانت ربُوبيته للعالم لا ينازع فيها المشركون أعقبت بما يقتضي إبطال دعوى المشركين تعدد الآلهة بقوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} تعريضاً بهم في أثناء الكلام وإن كان الكلام مسوقاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <   >  >>