للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك فرع عليه قوله: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)} وإذ كان الأمر باتخاذ وكيلاً مسبباً عن كونه لا إله إلاّ هو كان ذلك في قوة النهي عن اتخاذ وكيل غيره، إذ ليس غيره بأهل لاتخاذه وكيلاً.

والوكيل: الذي يُوكَل إليه الأمور، أي يُفوض إلى تصرفه، ومن أهم التفويض أمر الانتصار لمن توكل عليه، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما بلغه قول المشركين فيه اغتم لذلك، وقد روي أن ذلك سبب تزمله من مَوْجدة الحزن فأمره الله بأن لا يعتمد إلاّ عليه، وهذا تكفل بالنصر ولذلك عقب بقوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل: ١٠].

{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)} ..

وهو كذلك من عظيم زاد الدعوة، التوكل في النصر على الله سبحانه، وهو الشأن للدعاة في كل زمان ومكان.

عطف على قوله: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)} [المزمل: ٩]، والمناسبة أن الصبر على الأذى يستعان عليه بالتوكل على الله.

ومن هذا المعنى قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: ١٨]، وقوله: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (٥)} [سورة المعارج: ٥].

فالهجر الجميل هو الذي يَقتصر صاحبه على حقيقة الهجر، وهو ترك المخالطة فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى، ولما كان الهجر ينشأ عن بغض المهجور، أو كراهية أعماله كان معرَّضاً لأن يعتلق به أذى من سبّ أو ضرب أو نحو ذلك. فأمر الله رسوله بهجر المشركين هجراً جميلاً، أي أن يهجرهم ولا يزيدَ على هجرهم سَبّاً أو انتقاماً.

وهذا الهجر: هو إمساك النبي عن مكافاتهم بمثل ما يقولونه مما أشار إليه قوله تعالى: واصبر على ما يقولون.

<<  <   >  >>