للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس منسحباً على الدعوة للدين فإنها مستمرة ولكنها تبليغ عن الله تعالى فلا ينسب إلى النبي (١).

وقد انتزع فخر الدين من هذه الآية منزعاً خُلُقياً بأن الله جمع ما يحتاج إليه الإِنسان في مخالطَة الناس في هاتين الكلمتين لأن المرء إما أن يكون مخالطاً فلا بد له من الصبر على أذاهم وإيحاشهم لأنه إن أطمع نفسه بالراحة معهم لم يجدها مستمرة فيقع في الغموم إن لم يَرضْ نفسه بالصبر على أذاهم، وإن ترك المخالطة فذلك هو الهجر الجميل (٢).

وفي الآيات الرد القوى على " وات " في أنه وحى من الله إذ من يقول لنفسه ويخزن ويستدعى ذلك من الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن أين الوعى أو اللاوعى أو اللبيدو في ذلك من أين سمع ذلك من قبل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكيف يخبر به نفسه وكيف يقول لها ذلك؟! وكذلك الهجر الجميل والأمر بالتوكل وأن التوكل مع الصبر من أسباب النصر.

وإذ كنا قد بينا في سورة المزمل زاد الدعوة والصفات التى على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعاته من بعده أن يتصفوا بها والتعبد القلبى والبدنى اللازم لتحمل تبعات الدعوة ومسؤلياتها، فإن سورة المدثر تبين هدف الدعوة وحقيقتها فهو التوحيد لله وطريقة رفع ذلك، وتجنب عبادة غيره ونبذها والتبرؤ منها ... مع التركيز على صفات جديدة يلزم التحلى بها أو التخلى عنها وهاهى ذى الآيات الكريمات:

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} ..

نوديّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوصفه في حالة خاصة تلبس بها حين نزول السورة. وهي أنه لما رأى الملك بين السماء والأرض فرق من رؤيته فرجع إلى خديجة فقال: دثروني دثروني، أو قال:


(١) ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٩٤).
(٢) الفخر الرازى مفاتيح الغيب (١٥/ ٨٠٨ - ٨٠٩).

<<  <   >  >>