للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زملوني، أو قال: زملوني فدثروني، على اختلاف الروايات، والجمع بينها ظاهر فدثرته فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)}.

وقد مضى عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)} [المزمل: ١] ما في هذا النداء من التكرمة والتلطف.

والقيام المأمور به ليس مستعملاً في حقيقته في الغالب وإنما هو مستعمل في الأمر بالمبادرة والإِقبال والتهمُّم بالإِنذار مجازاً أو كناية.

وأفادت فاء {فَأَنْذِرْ} تعقيب إفادة التحفز والشروع بالأمر بإيقاع الإِنذار (١).

ففعل {قُمْ} منزَّل منزلة اللازم، وتفريع {فَأَنْذِرْ} عليه يبين المراد من الأمر بالقيام.

والمعنى: يا أيها المدثر من الرعب لرؤية مَلَك الوحي لا تخف وأقبل على الإِنذار.

والظاهر: أن هذه الآية أول ما نزل في الأمر بالدعوة لأن سورة العلق لم تتضمن أمراً بالدعوة، وصدر سورة المزمل تضمن أنه مسبوق بالدعوة لقوله فيه {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل: ١٥]، وقوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} [المزمل: ١١]. وإنما كان تكذيبهم بعد أن أبلغهم أنه رسول من الله إليهم وابتدىء بالأمر بالإنذار لأن الإنذار يجمع معاني التحذير من فعل شيء لا يليق وعواقبه فالإِنذار حقيق بالتقديم قبل الأمر بمحامد الفعال لأن التخلية مقدمة على التحلية ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأن غالب أحوال الناس يومئذٍ محتاجة إلى الإِنذار والتحذير.

{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)} ..


(١) المصدر السابق.

<<  <   >  >>