للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: ٥٢] وقوله تعالى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف: ١٠٤] وقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٩٠] ونقتصر على هذه الآيات إذ هي وافية تمامًا بالغرض والرد على "وات" في ذات الوقت ونلاحظ ذلك فيما يلي:

أولاً: أن هذه الآيات كلها - من سوء طالع "وات" - كلها مكية، وإن مطالعته للقرآن كمصدر أول عنده ليصادف هذه الآيات ويصطدم بمعانيها، وبدلاً من التسليم بما لا مجال في إنكار، ثم بعد ذلك إعمال الفكر والنظر والتحليل فيه إذ به يتجاهل هذه الآيات كلها، أو يؤولها هذه التأويلات المتعسفة المجافية للحقيقة المخالفة للواقع، وبكل سهولة ومن غير غضاضة، وبدون أسف على المنهج العلمي المدعى، وهو يبين في نفس الوقت المنهج الانتقائي لـ"وات" (١)، حيث يتجاهل الآيات والروايات الإسلامية، مؤلفًا تاريخًا يناقشه ويبحث له عن دوافع.

ثانيًا: إن مكية هذه الآيات ليؤكد مبدأ عالمية الدعوة منذ ظهرت، وجاءت تلك العالمية في أول سورة نزلت بعد قوله "اقرأ" على قول جمهرة من المفسرين، وهي سورة القلم حيث ذكرنا الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} وهذا له مغزاه ودلالاته العقيدية، إذ لم تظهر في العهد المدني فيكون حجة بأن عالمية الرسالة جاءت تطورًا للجماعة الإسلامية وقيام دولتها، بل لما قامت هذه الدولة بدأت تدعو لمعتقداتها التي تدرجت في الدعوة إليها، وتهيأت الظروف للقيام بأعبائها والتوسع فيها، فانفتحت على العالم الخارجي.

ثالثًا: مما نلاحظه في هذه الآيات تلك النظرة المتكاملة المتسقة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسالته، فهي


(١) عبد الله النعيم، "الاستشراق في السيرة النبوية" (٨٠).

<<  <   >  >>