للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحكى قصته فيقول: «كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتى فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستخفياً جرءاء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: أنا نبى. فقلت: وما نبى؟ قال: أرسلنى الله. فقلت: وبأى شيء أرسلت؟ قال: أرسلنى بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء. قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به. فقلت: إنى متبعك. قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالى وحال الناس! ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بى قد ظهرت فأتنى، قال: فذهبت إلى أهلى، وقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وكنت في أهلى، فجعلت أتخبر الأخبار واسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم علىَّ نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة، فقلت: ما فعل الرجل الذى قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه ....». (١)

ويبدو أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخبره بجميع من أسلم، إذ هو قد سأله عمن معه قبل أن يعلن الإسلام، وكذلك حرصاً من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سلامة من أسلم من الأذى، لذلك ذكر أنه كان رابع الإسلام، وما ذلك إلا بحسب ما بدا له، وإلا فإن أبا ذر أيضاً قد أعلن يوم أسلم أنه كان كذلك رابع الاسلام مما يدل على أن المسلمين كانوا متكتمين في أمر إسلامهم حرصاً على مصلحة الدعوة بحيث لم يكن كلاهما يعلم بإسلام الآخر. (٢)


(١) مسلم، الصحيح (١/ ٥٩٦).
(٢) الطبرى، التاريخ (٢/ ٣١٥)، ويؤيد ابن كثير وابن حجر أن سرية الدعوة هي السبب في تعارض دعاوى السبق إلى الإسلام، إذ يخفى عليهم من سبقهم إلى الإسلام، ابن كثير، السيرة النبوية (١/ ٤٤٣)، وفتح الباري لابن حجر (٧/ ٨٤)، د. أكرم العمرى، السيرة النبوية (٢١٦).

<<  <   >  >>