أن يمارى في هذا أحد، إذ سجلات التاريخ شاهده بذلك، مع بذلهم وتضحياتهم بأموالهم إنفاقاً في سبيل الله فجمعوا بذلك بين النفس والمال.
ومن ثم نعود إلى القرآن الكريم كمنهج للدراسة، نذكر فيه سيرة أولئك، ثم نرد على "وات" في هذا البحث.
ونذكر آية واحدة في هذا السياق كفيلة بتبين سيرتهم في الكتاب المعظم، وهي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} [التوبة: ١٠٠].
يقول سيد قطب ما ملخصه مشيراً إلى مراحل بناء المجتمع المسلم، وتكون طبقاته الإيمانية: لقد ولدت الحركة الإسلامية في مكة على محك الشدة، إذ أحست قريش – ممثلة الجاهلية – بالخطر الحقيقى الذى يتهددها من دعوة:«لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وما تمثله من تمرد على كل طاغوت في الأرض لا يستمد سلطانه من سلطان الله، والفرار منه إلى الله، وبالخطر الجدى من هذا التجمع العضوى الذى أنشأته هذه الدعوة تحت قيادة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا التجمع الذى يدين منذ يومه الأول بالعبودية والطاعة لله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تكد الجاهلية تستشعر هذا الخطر حتى شنتها حرباً شعواء على الدعوة الجديدة وتجمعها وقيادتها، وأصدرت لها كل ما في جعبتها من أذى ومن كيد ومن قتنة ومن حيلة. وهو دأب أعداء الاسلام في كل آن وزمان عندئذ تعرض كل فرد في التجمغ الإسلامي الجديد للأذى والفتنة بكل صنوفها إلى حد إهدار الدم في كثير من الأحيان. ويومئذ لم يكن يقدم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والانضمام إلى التجمع الاسلامى الوليد إلا كل من نذر نفسه لله، وتهيأ لاحتمال الأذى والفتنة والجوع والغربة والعذاب، والموت في أبشع الصور في بعض الأحيان.