للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبذلك تكونت للإسلام قاعدة صلبة من أصلب العناصر عوداً في المجتمع العربى، فلم يكن يقدم ابتداء على الانتقال من الجاهلية إلى الإسلام، وقطع ذلك الطريق الشائك المرهوب إلا العناصر المختارة الممتازة فريدة التكوين.

وهكذا اختار الله تعالى السابقين من المهاجرين من هذه العناصر الفريدة النادرة ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين في مكة، ثم ليكونوا مع السابقين من الأنصار القاعدة الصلبة لهذا الدين بعد ذلك في المدينة. (١)

لقد بايع أولئك السابقون من الأنصار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العقبة وهم يعلمون عاقبتها وضريبتها وأن يحاربهم الأصفر والأحمر، وأن ليس لهم سوى الجنة إن هم وفوا بذلك، فلا جرم أن يكونوا مع السابقين من المهاجرين الذين بنوا هذا البنيان وأعدوا هذا الإعداد.

إن تلك النواة الصلبة كانت السبب المباشر في تماسك وصلابة المجتمع في وجه الاعراض والظواهر والخلخلة أحياناً التى كانت وراء تفاوت طبقات المجتمع الايمانية.

لا شك إذن أن المهاجرين - على أي تعريف كانوا - كانت خلاصتهم والكمل منهم أولئك السابقين إلى الإسلام. (٢)

ونظرة أخرى تبين أنهم ما دخلوا الإسلام طمعاً في غنم يغنمونه في هذا الوقت، ولا كان ينتظرونه، ولا إلى شيء يسعون لتحصيله في هذه الدنيا الزائلة، إذ كان الواقع والدعوة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما يحيط به يمنع تصور وقوع شيء من ذلك فضلاً عن انتظاره، لم يكونوا ينتظرون إلا رضا الله عنهم وأن يجاوروه في جنته.


(١) سيد قطب، في ظلال القرآن (١٧٠٢ - ١٧٠٣).
(٢) سيد قطب، في ظلال القرآن (١٧٠٤ - ١٧٠٦).

<<  <   >  >>