ومن ثم جاء جزاؤهم رضى الله عنهم، وهو أعلى ما ينتظر المؤمن ربه أن يحل عليه رضوانه، فلا يسخط عليه أبداً، وأن يكون من مظاهر هذا الرضا أعظم إكرام وأجزل مثوبة في الدنيا والآخرة.
وإن من علو مقام هذه الصفوة أن يبادلوا ربهم الرضا اللائق بربهم منهم، أن يرفع الله منزلتهم ودرجتهم ليذكرهم ويمدحهم بأنهم رضوا عن ربهم، فذلك حال وشأن لا تملك الألفاظ البشرية أن تعبر عنه، ذلك حالهم الدائم مع ربهم - رضي الله عنهم - ورضوا عنه، أما علامة الرضا فهى:{وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وبتحليل الآية يتجلى:
أولاً: أن الآية جاءت عقب ذكر الفرق المتلبسة بالنقائص على تفاوت بينهما، لتذكر القدوة الصالحة والمثل الكامل في الأيمان والفضائل والنصرة في سبيل الله ليحتذى طالب الصلاح حذوهم، ولئلا يخلو تقسيم القبائل الساكنة بالمدينة وحواليها وبواديها عن ذكر أفضل الأقسام تنويهاً به.
ثانيا: بالتالى جاءت الجملة عطفاً على جملة: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا}[التوبة: ٩٨].
والمقصود بالسبق السبق في الإيمان، لأن سياق الآيات قبلها في تمييز أحوال المؤمنين الخلص، والكفلر الصرحاء، والكفار المنافقين، فكان المراد بالسابقين الذين سبقوا غيرهم من نفس صنفهم أي من المؤمنين.
ويكون من سبقوا غيرهم هم المقصودين سواء المهاجرين قبل أن يهاجر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، أو الأنصار الذين سبقوا غيرهم ممن آمن من الأنصار وهم أهل العقبتين الأولى والثانية.