كان العقل والواقع ومن قبل ذلك الشرع الموحى به أن تكون قريش هي المحط الأول الذى تتعلق به سيوف المقاتلين لأنها الخط الأول والحائط الصلب الذى يقف للإسلام وأهله فالعرب مشاركون لهم في وثنيتهم وبالتالى في عدائهم للإسلام ولرسوله والمؤمنين فهم الصادون عن سبيل الله في الجزيرة المشركة يومها برمتها، وهم المضطهدون للمؤمنين في مكة، المحاربون لهم في المدينة، المؤلبون عليهم العرب والحبش، الذين لا يرعون في المسلمين إلاً ولا ذمة، إن في قتالهم إذن رداً للمظالم أو بشيء منها ورفعاً للظلم، وتمهيداً لدعوة غيرهم إلى دين الحق، ورفع راية الإسلام وكس شوكة الكفر والظلم.
اتجهت هذه الغزوات والسرايا من ثم إلى مواقع غربى المدينة واستهدفت أموراً ثلاثة:
الأول: تهديد تجارة قريش إلى الشام، وهي ضربة خطيرة لاقتصاد مكة التجارى الذى به حياتها وكذلك في خطوة تالية تهديد تجارتها إلى اليمن وذلك بمهاجمة هذه القوافل شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لحصار مكة اقتصادياً ورداً لبعض حقوقهم المسلوبة.
الثاني: عقد المحالفات والموادعات مع القبائل التى تسكن تلك المناطق التى أصبحت مسرحاً لعمليات المسلمين ضد قريش لضمان تعاونها أو حيادها على الأقل في ذلك الصراع الدامى وهي خطوة نجاحها نجاح في المسلمين في الحصار السياسي لقريش، لأن هذه القبائل تميل مع قريش وثنيةومصالح لأن قريشاً سدنة البيت الذى يحجونه ولهم معبوداتهم وأصنامهم حوله، ثم إن لهم مع قريش مصالح ومحالفات تاريخية سماها القرآن الكريم الإيلاف في قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢)} [قريش: ١ - ٢]، مع إشتراك الجميع في معاداة الإسلام، إن موادعة هذه القبائل وتحييدها نجاح كبير في الوقوف لقريش في تلك المرحلة من الصراع.
الثالث: إبراز قوة المسلمين أمام اليهود وبقايا المشركين في المدينة المنورة، فالمسلمون