وإفضاله في هذا الشهر؛ لقرب عهده بمخالطة جبريل - عليه السلام -، وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم، الذي يحث على المكارم والجود. (١)
وهكذا كل الأخلاق التي اتصف بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت في الغاية من السمو، وإذا بها تتضاعف إلى أعلى وأسمى من ذلك بعد بعثته المشرفة؛ لأنها تستمد من صفات الله التي لا يحدها قيد ولا حد.
وممن ذكر ذلك من المحققين، وإن لم يقصد إليه ولكنه يوضح الفكرة التي نحن بصددها العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره للآية الكريمة {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)}، ونحن نذكر ما قاله مختصراً، يقول:
أشبعت هذه السورة من أفانين قوارع المشركين من عظتهم، وإقامة الحجة عليهم، وبعثهم على التأمل في دلائل الوحدانية، وصدق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما جاء به من الهدى، مع تبيين ضلال المشركين، وفضح فساد معتقدهم، وكيف سجل مكابرتهم وعنادهم، والتعجب من ركوبهم لرؤوسهم، ونأيهم بجانبهم، وكيف أصموا أسماعهم، وأغمضوا أبصارهم عما دعوا إلى سماعه، كل ذلك تكلمت به السورة، وسارت به آياتها ونظرت في نفس الوقت أحوالهم بأحوال الأمم الذين كذبوا من قبلهم، وكفروا نعمة الله فحل بهم من أصناف العذاب ما ذكرته السورة الكريمة، وأنه إنذار لهؤلاء أن يحل بهم ما حل بأولئك، وقد أعلنت السورة باليأس من ارعوائهم، وانتظار ما سيحل بهم بأيدي المؤمنين، وبتثبيت الرسول والمؤمنين، وتبشيرهم والثناء عليهم بما هم عليه من الهدى، مسلاة لهم وتنويهاً بفضلهم، كان من شأن، ذلك أن يثير في أنفس المؤمنين كراهية أهل الشرك كراهة تحفزهم