فبينت الآية الأولى على خلاف الترتيب القرآنى كما سنوضح حكمة ذلك، تقلب وجهه في السماء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داعياً ربه متضرعاً أو ساكتاً متأدباً يرجوه أن يوجهه إلى الكعبة المشرفة، وذلك في قوله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}[البقرة: ١٤٤].
ثم جاءه الأمر الإلهى الأول بأن يولىَ وجهه شطر المسجد الحرام فقال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)} [البقرة: ١٤٤].
وجاء الأمر مرة أخرى بالتوجه إلى القبلة فقال جل وعلا: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩)} [البقرة: ١٤٩].
وتلا ذلك الأمر الثالث باستقبال المسجد الحرام فقال تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)} [البقرة: ١٥٠].
ونذكر الآن الآية الأولى في السياق القرآنى الكريم، وإن كان ذكرها الآن هو محلها في الواقع على ما سنشير إلى الحكمة التى أبداها أهل العلم في ذلك، هي قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)} [البقرة: ١٤٢].
وفي ثنايا تلك السيرة القرآنية جاءت التوجيهات الإلهية والوصايا الربانية، وجاء توضيح المواقف، وتمييز الناس، والتحذير من الاغترار بالباطل، وظهرت الحكم والعبر والعظات من معانى ذلك كله، لتقود قافلة الإيمان في النور الساطع بقدم راسخ إلى منتهى شوط الأمان والنجاة والرفعة في الدنيا والآخرة.
وقبل الخوض في تلك المعانى القرآنية الكريمة يجدر أن نشير إلى كلام له قيمته ذكره