للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيد قطب رحمه الله، فنلخص مجمله:

يقول: أما الآن فنقول كلمة في حكمة تحويل القبلة، واختصاص المسلمين بقبلة خاصة يتوجهون إليها، إذ كان ذلك لا شك لحكمة تربوية ذكرتها الآية الكريمة وهي في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣]. (١)

فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومى، ولما كان الإسلام قد جاء لاستخلاص القلوب لله وحده، وتجريدها عن كل تعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير منهج الإسلام المرتبط بالله تعالى مباشرة، المجرد من ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية، فقد نزعهم نزعاً من الاتجاه إلى البيت الحرام واختار لهم المسجد الأقصى ليخلص نفوسهم من كل تلك الرواسب الجاهلية، وليظهر من يتبع الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويطيعه في كل أمره طاعة مجردة من كل شيء، الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة، ممن ينقلب على عقبية اعتزازاً بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ، أو تتلبس في خفايا المشاعر وحنايا الضمير حتى إذا استسلم أهل الإيمان لهذا الأمر من الله ورسوله جاءهم الأمر باستقبال الكعبة المشرفة، كذلك إظهاراً للاستسلام لله ولرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه في أمره باستقبال الكعبة المشرفة ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى هي حقيقة الإسلام، حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ وليكون تراث الأمة المسلمة التى نشأت تلبية لدعوة إبراهيم لربه بأن يبعث فيهم رسولاً بالإسلام الذى كان عليه إبراهيم وبنوه وأحفاده. (٢)

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: إن المناسبة بين هذه الآية {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} وبين


(١) سيد قطب رحمه الله يميل إلى الرأى الذى ضعفناه بأن القبلة في مكة كانت الكعبة المشرفة «ظلال القرآن» (١/ ١٢٦).
(٢) سيد قطب، في ظلال القرآن (١/ ١٢٦ - ١٢٧).

<<  <   >  >>