للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآى التى قبلها غير واضحة، ولكن هناك مناسبة بديعة، وهي أن الآيات التى قبلها تكرر فيها التنويه بإبراهيم وملته والكعبة وأن من يرغب عنها فقد سفه نفسه. (١)

ونعود إلى سيد قطب رحمه الله، حيث بسط القول شيئاً ما كما ذكرنا فيقول رحمه الله ما مختصره أن الحديث عن المسجد الحرام وبنائه وعمارته، والجدل مع أهل الكتاب والمشركين حول إبراهيم وبنيه وملته وقبلته، وعهده ووصيته، كل هذا الحديث كان خير تمهيد لتحويل القبلة إلى بيت الله الذى بناه والذى يمثل ملته التى من أراد غيرها فقد سفه نفسه والتى دعا ربه أن يبعث رسولاً يقيمها، فتحويل القبلة إذن يبدو في هذا السياق هو الاتجاه الطبيعى المنطقى مع وراثة المسلمين لدين إبراهيم وعهده، وهو الدين الذى ارتضاه الله سبحانه للبشرية كافة، فهو الاتجاه الحسى المتسق مع الاتجاه الشعورى، الذى ينشئه هذا التاريخ.

وإن الله عهد لإبراهيم - عليه السلام - أن يكون من المسلمين: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١)} [البقرة: ١٣١] وعهد إبراهيم - عليه السلام - لبنيه بالإسلام وكذلك أحفاده: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)} [البقرة: ١٣٢] ولقد أعلم الله إبراهيم - عليه السلام - أن وراثة عهد الله وفضله لا يناله الظالمين: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)} [البقرة: ١٢٤] إن الأمة المسلمة هي الوارثة لذلك العهد ولذلك الفضل فطبيعى إذن أن ترث بيت الله في مكة، وأن تتخذ منه قبلة.

فإذا اتجه المسلمون فترة إلى المسجد الاقصى لحكمة سبقت الذى يتجه إليه اليهود والنصارى، وأبوا أن يفيئوا إلى دين أبيهم إبراهيم - عليه السلام -، ليشاركوا الأمة المسلمة وليكونوا أمة واحدة موحدة لله تعالى، فقد جاء أوان تحويل القبلة إلى بيت الله الأول الذى بناه


(١) الطاهر بن عاشور، التحير والتنوير (٢/ ٥)، وإن كان يميل العلامةابن عاشور إلى أن النسخ كان من بيت المقدس إلى الكعبة في المدينة، أما في مكة فكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستقبل الكعبة.

<<  <   >  >>