للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إبراهيم - عليه السلام - لتتميز للمسلمين كل خصائص الوراثة حسيها وشعوريها، وراثة الدين، ووراثة القبلة، ووراثة الفضل من الله جميعاً.

إن الاختصاص والتميز للجماعة المسلمة ضرورىٌ من هذا المنطق، ومما رأينا من سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامة الاختصاص في التصور والاعتقاد، والاختصاص والتميز في القبلة والعبادة، وهما واضحان في التصور والاعتقاد، ولكنه قد لا يكون بهذه الدرجة من الوضوح فيما يختص بالقبلة وشعائر العبادة، ولابد من وقفة مع قيمة أشكال العبادة. (١)

إن الناظر إلى أشكال العبادات الظاهرة مجردة عن ملابساتها، ومجردة عن طبيعة النفس البشرية وتأثراتها ربما يبدو له أن في الحرص على هذه الأشكال بذاتها شيئاً من التعصب الضيق، أو شيئاً من التعبد للشكليات! ولكن نظرة أرحب وأوسع من هذه النظرة وإدراكاً أعمق لطبيعة الفطرة، يكشفان عن حقيقة أخرى لها كل الاعتبار لهذه الشكليات المتميزة للعبادات، ففى النفس البشرية ميل فطرى ناشيء من تكوين الانسان ذاته من جسد طاهر وروح مغيب إلى اتخاذ أشكال ظاهرة عن المشاعر المضمرة، وهذا لا يحتاج إلى تدليل، وقد أشار إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد» (٢)، فما يظهر إذن على المرء أنما هو تعبير لابد منه لذلك الشعور والميل الداخلى إذ لا تستقر وتهدأ هذه المشاعر المضمرة حتى تتخذ لها شكلاً ظاهراً تدركه الحواس.

وعلى هذا الأساس الفطرى أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها، فهى لا تؤدى بمجرد النية وحدها أو التوجه الروحى، لكن ذلك يتخذ شكلاً ظاهراً قياماً واتجاهاً إلى القبلة وتكبيراً وقراءة وركوعاً وسجوداً ذلك في الصلاة، وإحراماً من مكان معين بلباس معين


(١) سيد قطب في ظلال القرآن (١/ ١٢٧).
(٢) البخاري، الصحيح (٥٠).

<<  <   >  >>