للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطوافاً وسعياً بحركة معينة ودعاء وتلبية ورمياً للحجارة ونحراً وحلقاً ذلك في الحج، وهكذا في كل عبادته وأوامره وسننه.

ولم يكن بعد ذلك، بد من تمييز المكان الذى يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة كى يتمييز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه فهذا التميز تلبية للشعور بالتخصص والتفرد والامتياز، كما أنه بدوره ينشئ شعوراً بالامتياز والتفرد.

ومن هنا كان التشبه بغير المسلمين في خصائصهم التى هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهى عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء، ولم يكن هذا تعصباً ولا تمسكاً بمجرد الشكليات. وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات، كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة وهذه البواعث هي التى تفرق قوماً عن قوم، وتصوراً عن تصور، وعقلية عن عقلية، وضميراً عن ضمير وخلقاً عن خلق، واتجاهاً في الحياة كلها عن اتجاه.

لذلك ورد عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم». (١)

وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد خرج على جماعة فقاموا له: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً» (٢)، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله» (٣)، فنهى عن تشبهٍ في مظهرٍ أو لباسٍ، ونهى عن تشبهٍ في حركةٍ أو سلوكٍ، ونهى عن تشبهٍ في قولٍ أو أدبٍ؛ لأن وراء ذلك الشعور الباطن الذى يميز تصوراً عن تصور ومنهجاً في الحياة عن منهج، وسمة للجماعة عن سمة.


(١) البخاري (٥٤٤٨)، ومسلم (٣٩٢٦).
(٢) رواه أبو داود، السنن (٤٥٥٣).
(٣) البخاري (٣١٨٩).

<<  <   >  >>