ثم هو في نفس الوقت نَهْىٌ عن التلقى من غير الله تعالى ومنهجه الذى جاءت الأمة لتحققه في الأرض نَهْىٌ عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم آخرين في الأرض، فالهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التى تأسر النفس لتقلد ذلك المجتمع المعين، والمسلمون هم الأمة الوسط، هم الأعلون إن كانوا مؤمنين، هم خير أمة أخرجت للناس فإن لم يستخدموا تصورهم ومنهجهم ونظمهم وتقاليدهم من الله فهم يستمدونها من الأدنى الذى جاءوا ليرفعوه.
لقد ضمن الإسلام للبشرية أعلى أفق للتصور، وأقوم منهج في الحياة، وهو يدعو البشرية كلها إلى أن تفئ إليه، وما كان تعصباً إذن من الإسلام أن يطلب وحدة البشرية على أساسه هو لا على أي أساس آخر، وعلى منهجه لا على أي منهج آخر، وتحت رايته لا تحت أي راية فالذى يدعوك إلى توحيد الله تعالى وأن يكون من دونه سواء، ويدعوك إلى الوحدة في الارفع من المقصود، والوحدة في الارفع من النظام، ويأبى الحيدة عن منهج الله تعالى والتردى في مهاوى الجاهلية، ليس متعصباً، أو هو متعصب ولكن للخير والحق والصلاح.
والأمة المسلمة اليوم محاطة بل ومتغلغل فيها نفسها شتى التصورات الجاهلية وغيرها التى تعج بها الأرض، وكذلك شتى الأهداف والرايات الجاهلية التى يرفعها الأقوام، وبين شتى الاهتمامات التى تشغل بال الناس على خلاف اهتمامات الإسلام ومنهجه، ومن ثم فهى في حاجة إلى التميز بشخصية لا تتلبس بالشخصيات السائدة جاهلية أو غيرها، وتتميز بتصور خاص للوجود والحياة لا يلتبس بالتصورات السائدة، والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع تلك الشخصية وتصورها هذا التميز هو الوقوف تحت راية تحمل اسم الله وحده؛ فتعرف ساعتها بأنها خير أمة، الأمة الوسط (١).