للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتمدن.

كل ذلك بغير الإسلام الذي منع فيما منع الشماتة بالأعداء، حتى الشماتة منعها فما بالك بما هو أشد؟

إن هذه التعاليم ما كان ليتبعها أحد إلا أن يكون مستسلماً للقوة التي لا تقهر متبعاً لأوامر الإله الحق - سبحانه وتعالى -، مصدقاً بما جاءه به النبي من ربه، قد امتلأ قلبه واستولى عليه ذلك الإيمان بصدق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومحبته بحيث يوطن نفسه مهما كانت الملمات والخطوب على اتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه، إن تلك منزلة لم يبلغها أحد من البشر إلا ذلك الرسول المؤيد بالوحي الإلهي من السماء.

إن في ذلك رداً بليغاً على أولئك المستشرقين في ادعاءاتهم الباطلة حول الإسلام ورسوله (١).

ونعود إلى تحليل الآية ..

فقوله {خُذِ} مستعمل هنا مجازاً، حيث استعير بالتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها، فكأنه يمكن أن يتلبس بالعفو أو بضده، أو بالعدل أو غير ذلك فأمره القرآن الكريم أن يأخذ العفو من بين ذلك وأن يكون ذلك اختياره، فيكون معنى {خُذِ الْعَفْوَ}: عَامِل به واجعله وصفاً ولا تتلبس بغيره (٢).

والعفو: هو الصفح عن ذنب المذنب، وعدم مؤاخذته به، كقوله تعالى: {فَاعْفُوا


(١) له بقية كلام.
(٢) انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٢٦/ ٩)، وقد ذكر أن استعارة الأخذ للعفو من مبتكرات القرآن، ولذا كان البيت خذي عفوي لأبي الأسود الدؤلي، ونسبته للشعراء الجاهليين غير صحيحة.

<<  <   >  >>