للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: ١٠٩].

والمراد بالعفو عنه ما يعم ويشمل العفو عن المشركين، وعدم مؤاخذتهم بجفائهم وإساءتهم للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وللمؤمنين.

وقد عمَّت الآية صورة العفو كلها لأن التعريف في العفو تعريف للجنس فهو مفيد للاستغراق، فهو يستغرق العفو، كل العفو ومعناه أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يعفو عموماً ويصفح، ولا يؤاخذ بالجفاء وسوء الخلق، ولا يعاقب ويقابل بمثل الصنيع الواقع عليه أو على المؤمنين.

وأسبق من يتبادر إلى الذهن العفو عنه في هذه الآية هم المشركون (١).

وقوله {بِالْعُرْفِ} فالعرف اسم مرادف للمعروف من الأعمال، وهو الفعل الذي تعرفه النفوس، ولا تنكره إذا خليت وشأنها بدون غرض في ضده، وقد دل على

مرادفته للمعروف قول النابغة (٢):

فلا النُّكْر معروفٌ ولا العُرفُ ضائِعُ

والمعروف مجاز في المقبول المرضي به، لأن الشيء إذا كان معروفاً كان مألوفاً مرضياً به، وأريد به هنا ما يقبل عند أهل العقول، وفي الشرائع، وهو الحق والصلاح.

وذلك ما يدلنا على أمر هذه الشريعة الرشيدة، إذا يتأكد في كل فترة من فترات دعوتها عنوانها الأصلي من كونها دعوة الحق والخير والصلاح والعفو لإبقاء المؤمنين بها على طريق


(١) وقد أورد المفسرون هنا قصة عيينة بن حصن مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ... .
(٢) انظر الطاهر بن عاشور «التحرير والتنوير» (٢٢٦/ ٩).

<<  <   >  >>